بدأت أتيقن أنني شخص نوستالوجي بشكل ما. أشعر بسخف شديد و أنا أقول ذلك. فمهما كانت خبراتي و تجاربي التي مررت بها، فهي في النهاية لا تتجاوز خبرات و تجارب شخص في الثانية و العشرون من العمر.
لكنها حقيقة؛ أميل دائماً للأفلام القديمة، خاصة أفلام التسعينات. كذلك المسلسلات، أفضل منها دوماً ما شاهدته من قبل، و أعيد مشاهدته. بالنسبة للموسيقي، فلا أحب تجربة فرق جديدة أو الأستماع إلي موسيقيين لا أعرفهم. كذلك الأمر مع الكتب، فلم أعد أطيق قراءة كاتب لا أعرف اسمه كما كنت أفعل في الماضي.
ماضيّ غريب. كأنني كنت شخصاً آخر. منذ عامين، و في صيف عامي الثالث بالجامعة؛ أنخرطت في عدة وظائف بشكل حماسي لا يُصدق، و سرعان ما تجاوزت هذه الوظائف و بدأت مشروعاً تجارياً صغيراً. كنت أتحرك بنشاط بالغ و حيوية فائقة، يحركني أمل و تفاؤل غريب. كنت أخرج في الصباح، و أعود في المساء. هكذا. أتحمل ذلك المجهود البدني، لا أعرف كيف.
فشل المشروع و تُوفيّ شريكي بغرابة شديدة بعدها. رحمه الله. في العام الماضي حصلت علي وظيفة واحدة، تكاسلت فيها فخسرتها قبل مرور شهر. جلست في المنزل.
أنهارت صحتي لسبب مجهول بعدها، و لم أعد قادراً علي مجرد تخيل المجهود الذي كنت أبذله منذ عامين فقط. في ذلك الوقت كنت قد أنشأت مدونة خصيصاً لكي أقول للناس كيف أنني أركض في الصباح كل يوم و أعيش حياتي بشكل رياضي. و الآن : ركض؟ أي ركض؟
السنة الأولي بالكلية كانت سيئة. التيرم الأول كان لعنة. التيرم الثاني كان جيداً بعدما فُتنت بأسلوب حياة مجموعة من الطلبة في السنة الثانية، و أردت تقليدهم. هكذا تحمست بشدة لسنتي الثانية و أستعددت لها. دخلت المجموعة مع أصدقائي و قضينا أياماً جميلة خلال التيرم الأول بغض النظر عن مستوي المشروعات التي أنجزناها في ذلك الوقت. أُدرك الآن تماماً أن سنتي الثانية هي سنتي الأفضل في الكلية. كم إن ذلك الأعتراف قاسياً!
كل سنة كنت أقول أن التالية ستكون أفضل، و لكن سرعان ما يتسرب لي الملل و الضيق بعد مرور عدة أسابيع من كل تيرم. في السنة الرابعة جلست وحدي في قاعة دراسة خالية، أنظر للسبورة البيضاء، و أسأل نفسي : ماذا أفعل هنا؟
كل مشروع عملت عليه في السنوات الأربعة سلمته ناقصاً بشكل أو بآخر، حتي أنها صارت صفة ملتصقة بي و تستحوذ عليّ، أنني لا أُكمل شيئاً ما أبداً، و قلت لنفسي ساخراً : أعتقد أنني سأسلم مشروع التخرج ناقصاً! و بالفعل سلمته ناقصاً بعدما فشلت في إكماله!
كم أكره أن أري كل ذلك و أحُلله بأي مقياس منطقي، لأعرف أنني قد وصلت إلي ذروتي كأنسان في سنتي الثانية بالكلية و انطفأت. و من ساعتها و انا مستمر في الأنحدار. هكذا يسير المنحني بشكل تنازلي، قبل حتي أن يحظي بانطلاقة معقولة. انني أشيخ بسرعة مذهلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق