الأحد، 18 ديسمبر 2011

أنا مش قادر استحمل الضغط العصبي ده 

الخميس، 8 ديسمبر 2011

في حي الأحلام المكسورة

ليس هناك أجمل في عينيه من ديكورات الكريسماس الحمراء و الخضراء الثلجية في محلات الزمالك البرجوازية. بالطبع الإحساس مختلف مع روح و أعين كهذين مشتاقين لمظاهر الجمال و البهجة بعد أيام العجاف، و لهما الحق. شاخت المدينة حقاً و تهدلت، كبر الأطفال و طالبوا بحقهم فيها و نالوه، لكن الزمالك احتفظت برصانة و حكمة الكهولة، و بهالتها الوقائية من العشوائية العمرانية الشرسة، و من تطرف الدولة الدينية، و حتي من تقلبات المعركة السياسية المتاخمة. كل هذا يبرر قضاء النهار بين المطاعم و المقاهي و المكتبات في شوارعها الهادئة الوارفة، و لكنه لا يبرر الوحدة. خاصة و أنها إجازة مقدسة، ساعاتها مهمة و دقائقها التي تمر لها ثمنها. و أن الأفعال الموازية لنا كبشريين أجمعين تقوم علي الرغبة في تفادي الوحدة، و في التقرّب دافئين حول الفراغات. و لكن لحظة، وحدته لا تحتاج إلي تبرير! الوحدة صارت، لا، ليس أسلوب حياة، هذا سخف. صارت أثراً جانبياً لتذوق الجمال، عاملاً مصاحباً لتفاعل كيميائي لابُد و أن يتم بطريقة معينة ولا يتم إلا بهذه الطريقة فقط. ولا وسيلة لتحقيق الجمال الآن قسراً إلا بها، فلا مجال للمجازفة بتلقي كلمة أو تعليق من صحبة غير مقصودة، و لا مجال لتشتيت التركيز بحديث متعب يدور علي هامش الحقيقة. الآن فقط هو و ظله و قلبه الهش المعلق بالبهجة و الطريق. ولا شئ أمتع، و أكثر دفئاً و أماناً و تفهماً. كانت القسوة مجالاً للتفكير و التخاطر، كذلك هواجس السيطرة و التسلط و التقييد و السجن و القتل البطئ. "حُكم النفس علي النفس" كما لخصها سائق ميكروباص في جملة واحدة عبقرية خرجت بإلهام آلهي شوارعي. تحالف سوء الحظ مع خط الزمن. النظرات. الحياة علي الهامش. دفع الضرائب. المنع قسراً من المشاركة. طاقة الكُرة. مخزون الرهافة. لقطات سابقة، و جارية، ولاحقة، ومرغوبة. برجوازية مفزعة في رقتها. يوم أو اثنين. فقدان القدرة علي الإتصال و الربط. كانت هناك فتاة منعه عنها التردد و البذلة الكاكي. إغوائها أكبر من أن يقاوم؛ تجلس في حيز حقيقي محسوس في عربة الرجال في السادسة صباحاً، تقرأ نسخة قديمة من السكرية لنجيب محفوظ مُحققة بذلك المعجزتين: الجمال و الذكاء. هل كانت تحتفل بمئوية محفوظ بطريقتها الخاصة أم كانت صدفة، تبدو مناسبة لكي يتخيل لها حياة خاصة مثالية، ربما تكون كاتبة شابة نشرت كتاباً أو اثنين علي نطاق محدود، أو تحاول ان تكون كاتبة و تبحث عن مرشد روحي. هل قرأت السكرية من قبل و تعيد قراءتها، أم أنها تقرأها للمرة الأولي، هل هي قارئة محترفة أم انها تجرب القراءة لأول مرة. ساعات البرد في الخدمة الليلية و التفكير في صدر أنثوي دافئ كامل الأحتواء، لابد لإمرأة كهذه من التواجد. و عندما توجد فالمثير للسخرية و الشفقة ان ما يحتل العقل بالكامل و يشله هو اليقين بـأنه "لا شئ فعلاً ليقال". كل شئ سيضيع في فوضي اللغة و الإنطباعات و سوء الفهم. طاقة الإحباط السلبية المتولدة من الإنكسار المرحلي للروح و الأحلام. العجز عن إصابة الهدف. دفع الضرائب.
            2-12

         

الجمعة، 2 ديسمبر 2011

william forrester: you know those things you do, that coffee-shop reading shit? you know why they do it?
jamal wallace: sell books, i guess.

william forrester: because they want to get laid.
jamal wallace: really? women will sleep with you if you write a book?
william forrester: women will sleep with you if you write a bad book.
(from: "finding forrester").

الخميس، 24 نوفمبر 2011

"التخلّي"، فيليب روث


"التخلّي"
فيليب روث
ترجمة: أحمد مجدي

القسم الثاني: بول يحب ليبي
الفصل الثالث
اللحظة الأصلية لكل الأشياء. كل الأكاذيب و الأخطاء، و الآن تلك الأفكار. انهض و امض-كَتبَ، بينما الثلج يهطل علي نافذة مكتبه، علي مدينة أيوا، علي النهر، علي المرج، علي كل خططه و مبادئهُ الشجاعة. ابق هنا. ابق. أعطهم الوقت الذي يحتاجونه. سوف يزحف مندساً إلي سريرنا و يحرر "ليبي" البائسة. هل أنا مجنون؟ لا، اتركها تذهب، اسمح لـ "والاش" ان يصبح الجواب، هذا الفتي الناعم الثري الطفولي، الذي لا يهتم بكل شئ في العالم. ما أحسده عليه ليس المال بل تلك الحرية و الأريحية في شئونه. لكن تلك ليست طبيعتي. أي شئ يمكن أن يكون طبيعتك. اجعله طبيعتك! مستحيل. يجب عليّ فقط أن اكتب كل شئ. واحد، اثنان، ثلاثة، وهلم جرا. الخطوط العريضة، ما أريده و ما لا أريده. ما أنا عليه، و ما لستُ.
1.     (واجه الأمر.) اتركهما يتبادلا القُبل في سريرنا، اتركه يلتهمها، يلاطفها، يدق وتداً تماماً في عنق إخلاصها لي. يأخذ إخلاصها عني! يُثنيها، يثيرها، يلقي عليّ التحية عند الباب، يقول: زوجتك فتحت ليّ كل شئ فم و ساقين و قلب. الآن نتركك. نتركك! ثم يرحلان! والاش سوف يسعدها. و لكن ما الذي لا يسعدها؟ التطور الطبيعي للحياة، مدخل جسور، حب إيثاري صادق، ثم الفتاة تتفتح و تتفجر، عد للحياة من جديد. الشجار و التشاحن و الخناق هو كل ما نفعله. عزيزتي سامحيني أنا متأسف. تَلوَّ. تَضرَع. تَذلَل. أين كانت خطيئتي؟ الخطيئة الاولي. هذه مراوغة و أنا أعلم ذلك. شئ ببساطة مفقود فيّ. كل ما حدث لا يحدث فقط هكذا. امض، احرز تقدماً. والاش يحملها بعيداً. الآن 2. واجه رقم2.
2.     مارج. غريبةُ. وجه مختلف، هل هذا كل ما في الامر؟ كم من الوقت يمكن أن اتمسك بقصة انني تعرضت للإغواء؟ ليس طويلاً. دعوة حزينة كئيبة، كانت تعلمُ ما كانت مقبلة عليه. و لكني كنت اعلم. تبكي. تتحدث بظهر والاش. فطر قلبي وصفها لوالاش بـ"عديم القلب"! هل يُعد هذا إغواءاً بكل مقاييس المُخيلة؟ من فضّ ملابس من؟ كم هي مختلفة-منذ البداية، مع ليبي العذراء. زوجتي. قمت أنا بالفض. أنا. أنا بلا نهاية. عندما اتصلتْ، عندما كنا فقط نشرب القهوة، ألم أكن أعلم حينها؟ كل حديثها عن الوحدة، كل الحديث عن الخيانة و التذّرع، و القلق البادي علي وجهي. ياللتعاطف. طوال الوقت أهز رأسي أجل أجل، فتاة بائسة.
3.     مارج. اكتبها مرة أخري. مارجي. مارجي. مارخوري. قُل اسمي، قالتْ-و قلته. الان قل ما كنا نفعله-و امتثلتُ. ألعاب الشد و الجذب. كان بإمكاني حمل هذه الصناديق و الحقائب عبر السلم ودفعها داخل تاكسي حتي المحطة ثم الذهاب للمنزل. علمتُ منذ الدقيقة التي بدأنا فيها الحديث. و هل كنت احتاج ذلك؟ إلي عشر دقائق من الفوضي علي سرير والاش؟ و لكن لم يكن هناك مدعاه للقلق. فقط انتعاظ مسطح جميل،  لكن بدون ليبي بأسفل. ليبي بأسفل! ليبي. زوجتي ليبي. ليبي و بول هيرز. ماذا بعد؟ ما بعد هو الآتي. استحثاث آخر ليضاجع زوجتي. قل ما كنا نفعله. قلها يا بول. ليبي. ليبي خاصتي. ضاجع ليبي خاصتي. خذ ليبي. خذ ليبي بعيداً!
4.     اعتمدتْ عليّ؛ و أنا لم أفي بها. لا أستطيع التوقف عن تنظيم الأشياء. لم أستطع الرحيل وحيداً. الظروف. لا، أنا. لا! تزوجتها تحت ضغط المبادئ، حسناً. آمال. حب. اهتمام. اهتممت بها إلي أقصي مدي. للإرتقاء بحياتنا. لنكون سعداء. لنكون طيبين. ما يسبب الألم اني مازلت بحاجه إلي نفس الأشياء. ولا شئ أفعله يحققها. أضاجع مارج، انت تضاجع زوجتي. حسناً، توقف عن قولها.
5.     ماذا أيضاً؟ وقت المراهنة؟ أخذ وقتي بينما والاش يشق طريقه. انتظار ليبي لحين تتخلص من إخلاصها. سوف تفعل. و هو سوف يفعل. ما لم أثُبطه. خذ سيارتك و احشرها فيـ! الأرجح انني أخفته. أخفتها. كلهم لا يعرفوني علي حقيقتي. قلتُ له ابق خارج حياتي عندما كنت أعني تفضل ادخلها. قَدِمْ للفتاة عرضاً محترماً-غير محترماً. حررنا من فضلك. كل شئ خرج عن السيطرة. لكن ليس بالكامل-حتي أسبوع مضي. لا، خرج عن السيطرة بعملية الإجهاض. لا، منذ أسبوع مضي مع مارج هويلز. فتاة سخيفة غبية، و كان هذا أكثر فوضوية مما حدث في ديترويت. إحساس هذه اللحظة تخلي عني. فوضي أكثر و هكذا. هل أعني هذا الكلام؟ عندما أشعر بالألم هل أشعر بالألم حقاً حتي؟ ماذا أفعل هنا بـ أيوا؟ مسألة الكتابة هذه. من الذي أحاول تقليده؟ آشر؟ لا، سوف أبدأ فهم اضطرابي. واصل الكتابة.
6.     لماذا لا نخلف طفلاً الآن؟
7.     ابدأ من جديد. مارس الحب معها. كن لطيفاً. كن ناعم الحديث. لكنها هي التي تعترض طوال الوقت. لا تترك لها الفرصة. سيطر من جديد. لكني لا أملك قوة متبقية.
8.     احصل علي القوة. لملم شتات نفسك. احصل علي القوة.
9.     افترض مارج تخبر والاش. فيخبر ليبي. إذن أُخبرها بنفسي. اعترف. ابدأ من جديد. نحن صغار. امتلكت الجرأة لرفض سيارة والاش. و لكن ما المغزي؟ كنت أحاول ممارسة القوة. اعرف ما انا عليه. لن أحاول اجتذاب ليبي، لأنني رأيتها مُجتذبة. لقد غيرت رأيي حتي: مارس معها حباً مكتملاً. المسها. لا أستطيع ان المسها. افعلها! سدد إصبعاً و افعلها! مرة، ثم اثنين، و بعدها ستعود الحياة مسرعة مرة أخري. اعرف ان هذا ليس جنوناً. طبيعي تماماً، إزاحه جبل في حياتي. فقط ابداً مرة أخري من الناحية الأخري. و لكني فشلت.
10. الوصية العاشرة. لا شئ. إنها تعود إليهما. لقد تنحيت. والاش و ليبي. ليبي و والاش. بول هيرز. هل يعرفان؟ هل تعرف ليبي؟ هل تستطيع ان تري انني أريد لها الأفضل فقط؟ صدقيني يا ليب! منذ البداية. منذ اليوم الأول، و لازلت. هل أنا فقط غبي؟
        *
منتصف الليل. ليبي اعترفت. والاش قَبّلها. بَكتْ لساعة. لا شئ آخر حدث. لا شئ. فتاة رائعة. فتاة رائعة. سوف أُنهي كل هذا. كل كلمة. ابدأ من جديد. حاول!                  

power of thanksgiving...

Vincent van Gogh

السبت، 19 نوفمبر 2011

بالطبع أنا أمقته، و أحسده. و لكني لا أتمني للحظة واحدة أن أكون مكانه، فهذا يفقدني حبها. و بالرغم من ضيقي بإعجابها به، إلا أنني أفضل الإحتفاظ بفشلي و حبها، علي نيل مثل نجاحه و الإكتفاء حينها بإعجابها فقط.

الجمعة، 18 نوفمبر 2011

المرأة التي تَخُصه


متعته كانت تكمن في تخيل مذاق أحضان الغرباء من النساء. و هي متعة تُماهي هواية التأمل القديمة التي لازمته، و التي لم يحتج هذا الفعل لسواها، مع بعض من الفطنة و دقة الملاحظة و التحليل، و قليل من الفيتيش.
المفاضلة كانت دوماً بين قياسات عرض الصدر، و حجم الثديين، و امتلاء الذراعين، و ربما نوع الملابس أو ألوانها. هكذا كان الغرق يبدو مثالياً و مثيراً للخبال بين مئات من أحضان العابرات التي لم يذقها و إن انتوي، و منعته تقاليد الحضارة.
و لكن كان للأمر مذاق مختلف معها، فهي المرأة التي تخصه، و لايبدو الحديث عن صدرها أو ثدييها أو ذراعيها مُدراً للإنتعاظ الصافي البارد، دون لمحة ضرورية و مختلفة من الدفء و الأصالة و الإستسلام. الإستسلام هنا للمصير المحتوم، المرتبط حتماً بالتخلي عن أحلام ذات طابع صبياني، و مَجد غير مضمون. لا شئ مضمون سوي ذراعيها. هما حقيقيتان، دافئتان، و هما تحبانه، و تحرصان عليه بالقدر الذي يكفي لدفعه لشراء نفسه بالبقاء بينهما آمناً مطمئناً.
الغرض منها في البداية كان مدفوعاً بشهوة الإحتضان و التقبيل، لكن فكرة "شراء نفسه"-علي أنانيتها- عبرته وهو يُضيّق ذراعيه علي جانبي إبطيها الرقيقين. الرجل بحاجه إليها، تلك المرأة الدائمة، المرأة المخلصة، الدافئة، الحقيقية، المتضادة مع الطريق المجنون، و المتسقة مع الطريق الآمن. قلب ينبض من وراء ثدي يضغطه إلي صدره و يشعر بإكتماله، واعداً بجنس طويل مشوب بالحب و التفهّم.
إلا انه، مُثقلاً بفشل الآخرين، يخبرها بحروف متآكلة أن علاقتهما منتهية، عالماً أنه يختار بذلك، مواجهة نظراتها و اتهاماتها له بالإنتهازية و الخيانة، و تحمل الإرتجافات المتباعدة لقلب ليبرالي واسع يموج أحياناً بالحنين الجالب للدمع الصادق في فوضي الحياة، و إرهاق رص الكلمات.   

الأربعاء، 9 نوفمبر 2011

صُلبان تطير


في العزلة، لم نعرف انها عزلة، فهكذا وعينا وعشنا وكبرنا. لكننا استدللنا عليها ببقايا غامضة من صور المخيلة الباهتة التي لم نعرف كيف ولا متي تكونت. نعيش حياة رجل واحد، نقتسم الطعام و الشراب و العمل و المشي و النوم، و كل شئ. رجل واحد له عددنا من الأعضاء و الأطراف. تسليتنا الوحيدة هي "الأحجار الطائرة". تلك الأشياء التي لم نفهمها و لكننا تعلقنا بها و أحببنها. تمر من فوقنا كل يوم عدة مرات، تقطع السماء بأتجاهات و زوايا مختلفة، و تصنع دائماً قوساً واسعاً ببطء ننتظره بشغف. أحياناً تظهر اثنتان في وقت واحد، و مرات ثلاثة. اه! السماء تبدو رائعة حينما يكون هناك ثلاثة منها في نفس الوقت. كنا نقلق من احتمال اصطدامها ببعضها و لكن الأحجار الطائرة كانت بارعة، تسير في مسارات لا تتقاطع. تبهرنا أكثر اللاتي تنخفض منها إلي أقرب مستوي من الأرض، نري تكوينها بوضوح. هيكل قائم علي التعامد، في مرة قال قائل: "كأنها صُلبان تطير". واحدة ممن اقتربن كان منقوش علي باطنها بأمتداد الهيكل: "QATAR"، و لم نفهم ما تعنيه. أؤمن-سراً- بأن هذه رسالة إتصال مع عالم آخر، لكني لم أخبر الرفاق بهذا. انتهي وجودنا، وما كان له إلا ان ينتهي، و تركنا أثراً وراءنا، نقشنا علي الصخر: "كنا هنا.. و لم نكن سيئين".     

السبت، 5 نوفمبر 2011

عيد سعيد و مقابلة

عيد أضحي سعيد للجميع :))


هذه مقابلة مع فيليب روث يتحدث فيها عن مسيرته كروائي و تأثره بهنري جيمس و فرانز كافكا، و فشله المبكر في  الكتابة المسرحية. 
تستحق المشاهدة.

الخميس، 3 نوفمبر 2011

الطبيعة جميلة عند كليمت

 Gustav Klimt (July 14, 1862 – February 6, 1918
"لا أمانع في سيجارة محترمة مع كأس او اثنين" -مش فاكر مين
tanned!

التقدير

التغييرات الجديدة بالمنزل و الغرفة. الدش الساخن العميق. ملابس النوم المريحة. الطعام المنزلي المقدس. متعة إعداد كوب نسكافية. مرهم الوجه و البشرة البرونزية الجديدة. ملمس الماوس و أزرار الكي بورد. لون المدونة الأسود. 

و أخيراً، الأستلقاء في السرير الدافئ بأنفاس لاهثة، بطفولتي، برهافتي، و بساقيّ الطويلتين.. و اجترار المُخيّلة المُنتعظة بسرور الخصوصية المُفتقَد.

و إظهار التقدير للحياة الملكية بكل صورها. 

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

الليلة الأخيرة لي بالمنزل، و عاجز عن النوم. 
متوتر بسبب عدم قدرتي علي النوم فغداً سيكون يوماً طويلاً، سنترحل إلي معسكرات التدريب، و نستلم متعلقاتنا العسكرية و مهماتنا. سأنام قليلاً في أوتوبيس الترحيل، و إن كنت أريد أن أبقي يقظاً لأعرف الطريق. 
كثرة الأشياء التي أريد فعلها تضاعف من توتري. 

أشعر بأحاسيس مزيفة عجيبة، جائع و لكن ليس جداً. ناعس و لكن لا أستطيع النوم. خائف و لكن مستثار. 
بسذاجة أفكر في رواية هاينريش بول التي أثرت فيّ. كعادتي أعيش وسط أبطال الروايات، و أفصل نفسي عن الواقع السهل المُعاش، و أغوص مع القالب الجاهز في أوهام لا ظل لها. بطل هايرنيش بول مجند عائد من الحرب بالقطار، لم يخلع حذائه منذ أسابيع، و يعرف بشفافية روحية موعد موته مسبقاً بعد عدة أيام. أشعر انني مثله برغم ان سلاحي سلاح إداري غير قتالي، إلا انني بسذاجتي لمجرد اني داخل الجيش أشعر انني سأكون مثله، و سأعاني معاناته. 

الحياة أحياناً تكون أسهل من المنتظر. 

تجمدت تماماً منذ يومين أو ثلاثة و لم أستطع فعل شئ سوي الأشياء الضرورية. مع اقتراب الموعد و شعوري بالخطورة فقدت نشاطي الذي اكتسبته في الشهر الأخير. يوم سماع السلاح استيقظت فجراً شاعراً بإنزعاج شديد و خوف. لم أصدق ان هذا يحدث لي، و تأخرت عمداً من أجل صنع بعض الشاي، و فتح الكمبيوتر لتهدئة أعصابي.

فائدة مهمة من وضعي الحالي: الاستمتاع بمشاعر التعاطف من الجميع. 

أحاول تجهيز نفسي لقبول فكرة تسليم نفسي تماماً و كلية للجيش، خاصة ان صديقي نصحني بعدم كتابة أي مذكرات هناك حتي لا ألفت الانتباه. سأكتفي بالقراءة، علي الأقل في مركز التدريب. 
لم أكمل رواية فيليب روث، و سأرحل تاركاً إياهاً مقلوبة علي المكتب، لم أستطع التركيز، فضلاً عن انها مرهقة و تتكلم عن الموت و المرض. بجوارها أمريكانلي المفتوحة دوماً بلا استغراب.. لن أمانع ان تغير أمي من وضعية الكتب، و لم أقل لها شيئاً معينا. إلي أي مدي يمكن تتغير الغرفة في غيابي؟ أم أتغير أنا؟

لا أدري لماذا أذكر ذلك الموقف بالتحديد.. كنت في سنة من سنوات الابتدائية، و استيقظت فجراً شاعراً بإثارة شديدة من أجل ارتداء الساعة الزرقاء الدائرية الجديدة التي تحوي بوصلة. إحدي هدايا أبي القليلة. لم يستيقظ أحد بعد سواي، فأشعلت النور و ارتديت الساعة و جلست في سريري داساً نصفي الأسفل تحت البطانية، أقرأ عدداً من ميكي جيب. 
كان أفضل عدد قرأته.

في طفولتي كنت أعيش مع أبطال القصص. شخصيات ديزني كانوا هم "كل الحياة" بواقعها و خيالها، بغباء تصرفات بندق التي تغلغلت فيّ كما لم تفعل حكمة ميكي. رعونة بطوط التي كانت بوصلة حقيقية تقودني في تيه المدرسة و ظلام عقول الطلبة و المدرسين. 
الشياطين الـ13 كانوا معي، و حولي في كل مكان. أغسل يديّ سريعاً في الصباح قبل المدرسة لكي ألحق بهم في الشارع لانهم يبدأون يومهم مبكرين.  و اقوم للغداء لأن "أحمد من مصر" قال للمغامرين في "مغامرة في هامبورج" : هيا ننهض لنتغدي. 

"مغامرة في هامبورج" كانت مغامرتي المفضلة،  قرأتها أكثر من ستة مرات و حملتها معي في كل مكان. الآن حقيبة الجيش تحوي snow لأورهان باموق.. لا أعرف هل تغيرت كثيراً أم لا.  لا أعرف فعلاً. 

لا أريد شيئاً الآن من الله سوي أن يفتح لي نافذة أري منها الطفل الجالس بسعادة أسفل البطانية في مثل هذه الساعة يقرأ ميكي جيب، ينقل بصره بين الصفحة و بين الساعة الجديدة المنزلقة من معصمه الإيسر الصغير.
قد أتحرك لأحضنه، و قد لا أكون عاطفياً لهذه الدرجة فأكتفي بالنظر.  
و لكنني بالتأكيد بحاجه إليه الان to keep me company.
   

الاثنين، 17 أكتوبر 2011

(حسن)، قصة

حَسَـنْ
الملك اللاهي أعتاد السهر كل ليلة في القاعة الشمالية مشرعة النوافذ، تستقبل نسيم المساء. يداعب وصيفاته الحسان و يراقب رقصاتهن المبهجة، منصتاً بعشق خاص و بسرور طفولي كبير لأغنية "آه يا زين العابدين..." و التي ينشدها منصور العارف مطرب القصر مرة كل ساعة بادئاً بمطلعها الأول، و تاركاً الزمام بعد ذلك للوصيفات ليستكملن الغناء و الرقص حول مليكهن. يكّن الملك عشقاً خاصاً لهذه الأغنية بالذات لا لكونها تحمل اسمه فقط، و لكن لأنه حينما سمعها لأول مرة في مصر و سرّ بها هو و زوجته الملكة الراحلة، طلبت منه الزوجة نقلها و جعلها الأغنية الرسمية للقصر في الاحتفالات و المناسبات، و قد كان.

يمكن للوصيفات أن يرقصن كما شئن حول الملك، و يمكن لهن أن يجلسن بين ذراعيه، و جواره، و إلي صدره، إلا أننا لا يمكننا ألا نلاحظ شرود عيني الملك الغاربتين، و لمحة ذائبة من حزن دفين يرتبط بذكريات قديمة، و تجعلنا نتساءل عن الدلالة الحقيقة لما يجري بالقاعة الشمالية كل مساء.
هذا المساء مثلاً؛ كان شرود الملك بالغاً علي غير المعتاد، و بدا انه لا يشعر بما حوله، و انه يرحل بأفكاره بعيداً راشفاً الخمر كأساً بعد آخر بلا حساب. الوصيفات تبادلن النظرات و هن يرقصن و أضمرن محاولة استعادة مليكهن من رحلة شروده: لعبت الموسيقي اللحن و انطلقن ينشدن أغنيته المفضلة بأصواتهن العذبة، و يتعمدن التأود النائح في مقطعه المفضل: "يا ورد.. يا ورد مفتح بين البساتين.." إلا انه و لدهشتهن ازداد شروداً بأدائهن، بل و فاجئهن بنهوضه مرة واحدة ليسير خارج القاعة في ترنح خفيف غير ملحوظ. اضطربت الوصيفات و تحلقن يتهامسن، و توقفت الموسيقي، و انفضّ الحفل. لم تكد تمض ساعة علي عودة الوصيفات إلي مخدعهن المشترك، حتي جاءهن خادم يستدع عشتار الوصيفة الخاصة و المفضلة للملك، فهرعت تحسّن من زينتها لتلحق بأثر الخادم إلي مخدع الملك.

مثلت عشتار بين يدي الملك و هالها شحوبه و مدي غيابه في دوار الخمر، و كأنه قضي الساعة الماضية كلها في الشرب المتواصل. قال لها الملك مشيراً بيده: "تعالي يا مليكة". بهتت عشتار و هي تسمع اسم الملكة الراحلة، و لكنها لم تنطق بحرف مقتربة من الملك الذي احتواها بذراعيه ناظراً إليها من قرب شديد، قائلاً: "التجاوز فاق الأستجداء يا مليكة". لزمت عشتار الصمت الداهش تماماً، و سلمت نفسها لملكها الذي طرحها علي الفراش و نام فوقها و طفق يلجها.. بين حين و آخر يقول: "آآآه..مليكتي".. أو يهمس: "الأوغاد يا مليكة.. التجرؤ عليّ فاق الأحتمال". تجرأت عشتار و همست حذرة: "مولاي.. أنا عشتار وصيفتك، و لست مولاتي مليكة". ثار الملك بشدة و صفعها. هرولت خارجه تلملم ملابسها. جلس الملك يعبث بلحيته عنيفاً و هو يحمحم متوتراً، ثم نهض فجأة و غادر مخدعه، سائراً إلي مخدع الوصيفات، و اقتحمه بغتة لينتفضن جميعاً صارخات من الفزع. سار الملك سريعاً مقلباً بصرة بينهن، جاذباً واحدة منهن صغيرة السن، و خارجاً بها.
ولجها بقسوة في مخدعه الخاص. أنّت من تحته و تألمت، و لكنه لم يرحم سنها الصغيرة. سألها بعد ان فرغ منها: "من أنت؟!"
 فقالت بخنوع: "اسمي صفوة يا مولاي". تساءل حائراً: "كيف لم أرك من قبل؟ ابنه من أنت؟!". فأجابت: "ابنه فرعون البستاني يا مولاي". تفكر قائلاً: "فرعون البستاني.. و لكني لا أذكر أن فرعون قد جاء إليّ بابنه له.. ولا أذكر ان فرعون قد أنجب من الأساس". ثم أردف مودعها: "و لكنك فاتنة يا فتاة.. قولي لأباك: لقد وجدني الملك أفضل ما لديه، و أجمل ما عليه".
بعد عدة أشهر من تلك الواقعة تجلس صفوة مع فرعون البستاني العجوز في غرفة البستنة في حديقة القصر يتدبران أمر الجنين في بطنها. يري فرعون إخفاء أمره، و لكن صفوة تري الإبقاء عليه، و حجتها في ذلك اختلاط الأنساب بالقصر و تكرار حمل الوصيفات من الملك بصورة غير شرعية.

تمر الشهور و بطن صفوة يتكور و ينتفخ، و الملك بين القاعة الشمالية و مخدعه، يضاجع نساءه و تختلط عليه أسمائهن. بعد تسعة شهور بالضبط من جلسة غرفة البستنة تسلم صفوة الروح و هي تسلم حَسَنْ للدنيا في ذات الغرفة. سمّاه جده، و أوحت له الوصيفات بالاسم و هنّ يحملنه فيما بينهن فاغرات لحسنه و بهاء وجهه العجيب.

و شبّ حسنٌ حسناً، لا مثيل له بين الرجال. اعتبره فرسان القصر مخنثاً و لكنهم غاروا منه، و أسماه يعقوب قائد الحرس ب"الرجل الرقيق". و لما لم يكن بحسن قدرة ولا ميل لفروسية القصر علمه جده الزراعة و البستنة، و صار يساعده يومياً في أعمال الحديقة، و ارتاح حسن للتواجد الدائم بجوار الأشجار و التعامل مع الزهور.
و مبكراً تنافست وصيفات القصر علي دعوة و إغواء و التحرش بحسن هنا و هناك، حتي بلغ بأحداهن الكشف عن جسدها و الاستلقاء في سريره انتظاراً لعودته من الخارج ليجدها هكذا. و أحسن حسن معاملتهن بما يليق، فهو ربيبهن و حليفهن و يحسن إرضاءهن.
و كثر التهافت و ذاع الصيت حتي بلغ حُسن الإرضاء بهن حد ابتكار أغنية سرية خاصة. ففي عقب كل لقاء يعود حسن أدراجه مرتباً هندامه و مسوياً شعره و مُشيِعاً بابتسامته الوضّاء، بينما تسير الوصيفة الشريكة كالمُخدرة صاعدة شرفة القصر الأولي المطلة علي الحديقة، لتنشد بخدر و هيام: "حسن يا خولي الجنينة يا حسن.."
و ينتبه حراس القصر مشدوهين في أي ساعة من النهار و الليل للصوت، و حسن يرعي الحديقة باسماً، و الوصيفات تتكاثر علي الشرفة الأولي، و الملك يستفيق بين الحين و الآخر مستفهماً عن الصوت ثم يغيب.
و ذات ليلة فوجئ السامع بصوت رقيق يشدو من مكان عال: "يا عقلي يا روحي.." كانت مفاجئة، و لم يجرؤ أحد علي رفع بصره إلي الشرفة العلوية في ساعة مساء. و دارت أقاويل هامسة تربط الأميرة وحيدةٌ الملك بالغناء القادم من الشرفة العلوية و المتردد كل مساء، حتي بلغت الملك.

و جفل حسن مرات في زراعته إذ بصر الملك بذاته يقف ثابتاً محدقاً به من خلف شرفة قريبة أو شُرّاعة.

رحل فرعون العجوز دافئاً في فراشه بعدما اطمئن إلي سيطرة و براعة حسن مع زهور الحديقة. و تجمهرت المدينة في ساحة الجنازة تكرم جثمان الموظف الملكي. اقترب الملك من حسن مُعزياً، و بعد دقائق اختفيا سوياً عن الأنظار و لم يظهرا حتي اليوم التالي. قيل ان الملك-و المعلومات مصدرها الوصيفات اللاتي استنطقنها من فرسان الملك- قد حظي بكلمة قاسية مع حسن.
منذ ذلك اليوم و حسن يجول في الحديقة شرقاً و غرباً، يتصبب عرقاً من جهد العمل، و نظرات الوصيفات تتتبعه في تحسر، و الصوت المألوف الرقيق يأتي من الشرفة العلوية جريئاً لا يعبأ بالنهار: "يا خاين بحبك..".. الصوت يعلو يوماً بعد يوم، حتي سمعه كل من بالقصر و إن لم يجرؤ الفرسان علي رفع بصرهم، و ظلوا صامتين ينظرون للأرض، و يسلمون ورديات الحراسة. و قال الخادم الخاص ان الملك لا يعرف النوم إلا بضغط الوسادة علي رأسه و التقلب المتكرر.
تجرأت الوصيفات لاستمرارية الصوت و صمت الملك عنه، فصعدن ذات نهار للشرفة الأولي في تأبين: "يا فتنة يا زينة يا سلوي الحزينة".
لم يرق للفرسان ذكر اسم أميرتهم بهذا الوضوح، فتجمعوا في الحديقة ينصتون بمشاعر متضاربة. بينما الصوت العلوي لازال لوام النبرة: "يا عينك يا قلبك.."
و الوصيفات صرن أشد جرأة ووقاحة في الرد: "شوف إزاي بقينا.."
كانت مناظرة غنائية حامية عَجّت لها الحديقة بظلال الشهود. و اختفي حسن في مكان غير معلوم، تاركاً الأقوال تتناثر خلفه.     

تدور الحياة و تهدأ الوتيرة. تمر أيام عادية و يسمع البعض همساً خفيفاً في مساء موغل يشبه غناء الشرفة العلوية القديم لكنهم لا يلقون بالاً. وكل يومين تقرب وصيفة الشرفة تردد في حنين: "صبرنا و قاسينا.." فيلوّح فرسان الحراسة بأكفهم في ضجر، و حسن صار لا يقرب القصر.

يعقوب قَلِق. تحرشات "يموس" بقوافل "أسميريا" التجارية زادت، و"سايرون" يحشد جيشه. الخطر كبير. اجتماعات و مشاورات مع ركن الجيش تبقيه مشغولاً، و لكن يعقوب مأخوذ بذهول الملك عما حوله.
يري ركن الجيش ان يخرج رجال و شباب "أسميريا" لبناء سور كبير في مواجهة طريق التجارة، مدخل "أسميريا" الوحيد. و قال يعقوب أن اليموسيّون سوف يحطمونه بالمدافع، و يتسلقون أطلاله بالسلالم.
قال حسن ليعقوب علي سلالم القصر في المساء: "اليموسيّون قوم محاربون يُدربون أبنائهم علي القتال منذ نعومة أظافرهم، اما نحن فنَسّاجون مسالمون، لا باع لنا بالقتال ولا بالحروب.. لا ضير بالاستسلام و إعلان الإنابة.. نحقن الدماء و نحفظ النساء"
ورأي يعقوب ذلك تهاوناً لا يليق.
و الملك حائر شارد هش، يردد بين حين و آخر للفضاء: "سايرون" يريد قطعة مني.. يرديني كما أخذ مني مليكة"
وقف قائد سلاح في مجلس الحرب و قال: "إن الأسميريون يستطيعون حياكة أي شئ.. سننسجُ شبكاً دقيقاً عملاقاً نغرسه في الأرض في غير موضع، و نربطه خفياً بأطراف نخيل أسميريا، حتي إذا ما وطئه اليموسيون ضاق عليهم و حاق بهم، و صاروا فريسة سهلة لفرساننا"
و استحسنوا قوله.
لولا الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن.
اقتحم يعقوب مخدع الملك في قلب الليل و خلفه رجال الحرس الملكي الخاص، هاتفاً: "اليموسيّون دخلوا أسميريا! لقد خُدعنا!"
انتفض الملك من نومه: "ماذا حدث؟"
هتف به يعقوب وهو يُنهضه: "اليموسيّون في أسميريا يا مولاي.. دخلوا متخفين في قافلة تجارية عائدة، و لما صاروا بالداخل باغتوا حرس الطريق و فتحوا البوابات من الداخل! لقد وصلوا إلي القصر!"
التف فرسان الحرس الملكي حول الملك، و هرعوا به خارج المخدع يهرولون في أروقة القصر، و هو بينهم يتمتم بوهن: "سايرون.. معركتك الأخيرة معي"

سقطت المدينة و اشتعلت بالحرائق. و في أروقة القصر هرول حسن وسط الفوضي إلي حيث مخدع الأميرة سلوي، ليلتقي بها تخرج وسط حرسها الملكي الخاص الذين تحفزوا نحوه، فأشارت لهم الأميرة بالهدوء.
هرعوا جميعاً ركضاً للألتقاء بمجموعة الملك. تلفّت يعقوب حوله صارخاً: "اليموسيّون ينتصرون.. الجيش يسقط.. كانت خدعة! خدعة!". هتف فارس فرسان القصر و أصوات التحطيم و الأشتباك تصلهم: "المخبأ السري يا يعقوب!" فقال الملك: "تتشاورون و أنا الحكم.. سنقاتل و لن نختبأ"
أمسكه يعقوب من كتفيه و قال: "لاوقت يا مولاي.. لابد من الهرب.. دقائق و سيكونون هنا"
لم يبد علي الملك انه قد سمعه إذ قال: "ائتوني بسيفي"
و لم يبد علي يعقوب انه قد سمعه بدوره إذ قال: "هيا لننطلق"
و هرعت فرقة الحرس الملكي الخاص بكامل عتادها إلي المخبأ السري حاملاً ملك أسميريا و أميرتها قسراً. في ذيلهم يهرول حسن البستاني و بعض من الخدم و الوصيفات، وسط أصوات القتل و الصراخ، و أجيج النيران.
وصلت الفرقة إلي المخبأ فأقتحموه و تكدسّوا فيه.
قال الملك مُنكساً: "ضاعت أسميريا"
تقدم حسن و قال حازماً: "أعرف مهرباً"
قال الملك متوسلاً: "انقذ ابنتي"
التف حوله يعقوب و فارس فرسان القصر، و أدلي بدلوه: "هناك نفقاً سرياً في الحديقة الخلفية يقود إلي خارج أسميريا"
و هتف فارس من الفرسان: "اليموسيّون بالخارج!"
قال يعقوب في قلق: "الملك لن تسعفه صحته في الركض". لوح الملك بكفه رافضاً بكُره: "لن اهرب.. سأبقي"
و قال لحسن: "انقذ فقط ابنتي"
فقال بشمم: "ليّ شرط"
"لك ما تريد"
"تعترف بيّ!"
.. و صار حسن زين العابدين منذ اللحظة.
رفع يعقوب سيفه صائحاً: "يا فرسان أسميريا.. (أطلقوا صيحة واهوااا) استعدوا للموت من أجل أسميريا، استعدوا للموت فداء مليككم.. المجد لأسميريا.. المجد لفرسان أسميريا"
و تناول الملك سيفاً، و هو يقول: "تعال يا سايرون"
استعد الفرسان للموت، و يعقوب يدور بينهم يحمسّهم و يستحثهم.
أقتحم اليموسيّون المخبأ و استقبلهم فرسان الحرس الملكي بالنصال، و اقترعت السيوف بحده مرعبة في المساحة الضيقة. و التجأ الفرسان إلي استراتيجية دفع المهاجمين إلي أقصي نقطة خارجية لمنح الفرصة لهروب الأميرة.
قبض حسن علي كف الأميرة و ركضا سوياً عبر الحديقة متخفيين بالأشجار. يتفادون المعارك الملتهبة بين اليموسيين و بقايا حرس القصر الملكي. قالت الأميرة: "أصابني سهم" التفت حسن هلعاً: "أين؟!" فتهاوت مُشيرة: "في ساقي. انه مسمم" احتضنها و احتضرت بين يديه.

خرج حسن من النفق و سار لأيام. تهاوي في الصحراء، و التجأ لكهف، و أرتوي من بركة رائقة. حتي وصل بعد عدة أسابيع إلي قرية "عرامة" فقال للفرسان و هو يتهاوي من التعب: "احملوني لمليككم.. فأنا حسن زين العابدين ابن أخيه"
أفاق حسن مرتعشاً من كوابيس. تمدد حيناً حتي استدعوه، فمثل بين يديّ ملك القرية "الباسم" وقال واعمّاه. فتبسّم الباسم و قال: "بشارتك حاضرة"
و فسّر: "إنابتنا لروما، و ندفع ضرائبنا بأنتظام. توسطتّ لديهم و فديت أخي من الأسر بقناطير لا تُحصي"
و جاء الزين من المدخل، كهلاً كاهناً حزيناً كئيباً. قال: "لم تعد بي رغبة في أبناء جدد.. ستعود كما كنت"

و لم تضق "عرامة" بضيفيها الجديدين. الأول يقضي النهار في العناية بحديقة عم ليس له، يتلصص علي الشرفات الملكية الخاوية، و يدندن. و الثاني يتنقل في الليل بين القاعات الشمالية و مخادع النوم، يُخطئ أسماء الوصيفات و يلقبهن بـ"سلوي" و "مليكة".  


مجدي