الأربعاء، 2 مارس 2011

مدونة قديمة، و قصة من أربع سنين


كنت بقرا في مدونتي القديمة، أول مدونة فتحتها في حياتي. غريبة جداً. غريبة من أول الكتابات اللي فيها، و اللي مليانة حاجات شخصية جداً فعلاً. و غريبة بالتأثير اللي عملته علي حياتي في الوقت ده. فعلاً المدونة دي كان ليها صيت غريب، و الكومنتات اللي فيها من ناس معتقدش أنها حتي بتقرا اللي أنا بكتبه دلوقتي. و بالمناسبة فالمدونة برضة فيها كومنتات كتيرة من بنات معرفهاش، منهم اللي من الكلية، و منهم اللي من برة. و تعليقات مليانة كلام إعجاب كمان، و ممكن أخد إيميلك و بتاع. يعني ببساطة عملت الحاجة اللي أي واحد بيتشقلب عشان يعرف يعملها. قرايتي للحاجات القديمة خلتني أقول أنا كنت بكتب زمان أحسن من دلوقتي. كنت بكتب براحتي، بدوس في أرض فاضية. دلوقتي القراءات الكتيرة عجزتني. نورتني، لكن عجزتني برضة. سر الصيت بتاع المدونة دي بقي تقريباً لأنها كانت في 2007 و 2008، لما كان الفيس بوك مش مشهور أوي في مصر، و كانت الناس مقضياها منتديات، و مدونات. ده غير طبعاً ان الوصول ليها كان بالبحث فقط. لا كان فيه فيس، ولا تويتر، ولا شير. أحياناً بيبقي الله يخرب بيتك يا زوكربيرج برضة، مش كله ربنا يخليك. 
دليل تاني علي الأرض الفاضية اللي كنت بدوس فيها زمان و أنا مغمي، القصة القصيرة دي اللي كنت نسيتها تماماً. تماماً. مكتوبة من أربع سنين، و لقيتها علي المدونة القديمة. حبيت أنشرها هنا تاني عشان حاجة بس. هي أولاً مكتوبة ببساطة شديدة، و بلغة واضحة، و علامات الترقيم ضايعة. بس فيها حاجة، مش عارفها. أخدت موقف بسيط، قيمته كبيرة، كتبته في قصة صغيرة. الحاجة اللي بحاول أعملها دلوقتي علي مستوي الرواية، و طالع عين أهلي فيها. عملتها من أربع سنين، بعنين مغمضة. 
  
..............

حماقتي  - قصة قصيرة 
                                         مستوحاة من مسرحية شكسبير (عُطيل)


في ذلك الزمن السعيد الغابر كان اللعب في الحارة هو أمتع ما يمكن أن يحصل عليه الطفل منا .
كنا نلعب خمس ساعات يومياً أو أكثر ، نلعب الكرة ، أو العدو ، أو المساكة ..وكنا نبتكر ألعاباً جميلة كل يوم تزيد من لهفتنا وشوقنا للعب بعد المدرسة ( في أيام الدراسة) ، ومن الصباح الباكر و حتى العصر (في أيام الأجازة) .
كنت أنا و (سراج) و(علاء)و(أميرة) نشكّل الفريق الطفولي الذي يحيل حياه عم (سيد فرج) البقال جحيماً ، كنت أحب جداً اللعب مع (أميرة) وعندما كنا ننقسم في لعب الكرة إلي فريقين كنت أُشكّل أنا وهي فريقاً ، بينما (سراج) و(علاء) فريقاً أخر. وكنت واثقاً من أن (أميرة) تعزّني كذلك و تبادلني الحب وكانت دائماً تعطيني أول قطعة حلوي من التي تصنعها أمها دوماً .
وهكذا مرت أحلي أيام طفولتي حتى نجحت في شهادة الصف الثالث الابتدائي ، وكنت الأول علي المدرسة .
نجح أصدقائي كلهم أيضاً لكنهم لم يكونوا الأوائل مثلي ، وكنت فرحاً بشدة بالحفلة الكبيرة التي أقمناها في شقتنا .
دعوت كل أقاربي وأصدقائي ، وأحتفل بي والداي احتفالاً عظيماً يليق بكوني الأول علي مدرستي ، وحاصل علي مجموع لم يحصل عليه أي من هؤلاء الكبار عندما كانوا صغاراً .
ثم كانت بانتظاري مفاجأة جميلة أخري ..وهي أن عمي قام بإهدائي لعبة جميلة هي السلم والثعبان .
أخذنا نتقافز في سعادة الأطفال ..
تنتظرنا أياماً سعيدة كثيرة من اللعب بهذه اللعبة الجديدة سويأ في الحارة
بل أريد أن أقول أننا لم ننتظر حتى الغد ، ورحنا – نحن الأربعة – نحاول أن نتعلم اللعبة وفهمها أثناء الحفل الصغير ..وكنت متأكداً من أنني سأبيت في سريري حاضناً لوح السلم والثعبان كأنة جسدي الضئيل في حضن أمي وقت أن كنت مصاباً بالحصبة .
بالطبع مشاعر الغرور كانت مسيطرة علي في هذه اللحظة كأعتي ما يكون وكنت أذُكّرهم في كل لحظة أنني الأول عليهم وأنني أفضل منهم ، ولم أكن أحتمل أن يتعامل أحدهم معي بطريقة لا تعجبني أو يقول كلمة تضايقني .
لذا ضايقني صمت (أميرة) و(علاء) جداً ، فقلت لهما بعصبية :
- ما لكما ؟ ألستما فرحين ؟ اطمئنا ، سنلعب غداً كثيراً جداً بلعبتي التي حصلت عليها لأنني الأول .
لم أرتح لهما بعدها وأورثاني عصبية شديدة بأنقلابهما المفاجئ والضيق الذي صدّراه في وجهي كأنهما يتعمدان مضايقتي .
حتى انفردا بنفسيهما في الشرفة لحظة غفوة مني وأخذا يتهامسان هناك .
وقفت عاقداً حاجبيّ في غضب عارم وأنا أتطلع إليهما حتى وجدت (سراج) يضع كفة علي كتفي ، فألتفت له ليقول لي في لزوجة :
- ألم تنساها بعد يا (عمر)؟!
قلت في غضب شديد :
- لا تأت بسيرتها علي لسانك يا (سراج).
قال مدلساً وهو يشير إليهما في وقفتهما المتفردة في الشرفة :
- لكنها تخونك معه بالفعل !
التفت انظر لها ، دون أن ترانا من انشغالها بالحديث معه ، ودمدمت :
- الحقيرة !
تابع (سراج) في أذني :
- كنت الاحظهما دوماً سوياً من وراء ظهرك ، لكني لم أود إخبارك حتى لا تحزن …..يا صديقي !
اشتعل غضبي …لقد أفسدت ليلة فرحي يا (أميرة) ، يا خائنة ، يا حقيرة !
وليتابع (سراج) المزيد من الحقن في صميم جرحي :
- لا تظهر لها ضُعفاً …إنها نوع خسيس يستأهل الخنق !
ضّيقت حاجبي في غضب عارم..وتفتق ذهني عن العقاب الصارم الذي قررت توقيعه عليهم ، وبدأت تنفيذه من الليلة .
في اليوم التالي وعندما نزلت إلي الحارة كنت أحمل كرتي ، ونظرة صارمة أسددها بكل حقدي وغلي .
فقط !
لم يسألا عن اللعبة الجديدة ..لكن عيونهما فضحتهما.
هذا هو العقاب الذي تفتق عنه ذهني العبقري ..لن يلعب أحد باللعبة الجديدة سواي .
وظللت أسُدد نظراتي الصارمة لكليهما ، والتي تقول لـ(أميرة) طوال الوقت كلمة واحدة .
يا خائنة !
لم يحتملا معاملتي طويلاً ، وخاصة أنني شرعت في اللعب مع (سراج) فقط في وسط الحارة وأمام أعينهما .
لم يحتملا …ورحلا !
رحلا هما الاثنين مرة واحدة ، ولم نعد نراهما في الحارة ..قال (سراج) :
- رحلا سوياً ليهربا بخيانتهما .
أقول في غل :
- لينعما ببعضهما …حقيران .
ولم أرّ (أميرة) قط حتى الآن
………………………………………..
بعد كل هذه السنوات أقول : رباه !
رباه ، لكم كنت أحمقاً !
أحمقاً وغبياً وحقيراً أيضاً !!
كيف لم أنتبة طوال الوقت لابتسامات (سراج) الخبيثة ؟!
كيف لم أنتبة لسعادته باللعب وحدة بلعبتي المبهرة بعد أن حرمهما فرماني من اللعب معنا؟!
كيف لم أنتبه – من وسط فورة غضبي ، وانصياعي لمشاعر الحقد والغل المقتحمة المسيطرة – أن( علاء) من المستحيل أن يخونني مع (أميرة)؟!
أجل، هذا لأنة محض…شقيقها !
آه..يا لندمي ! 

 أحمد مجدي 
18 فبراير 2007

هناك تعليقان (2):