الاثنين، 26 سبتمبر 2011

الأيام الخوالي الحزينة


آنـا:  هل تقول إننا التقينا من قبل؟
ديلي:  طبعاً التقينا من قبل.
        (وقفة)
        و تحادثنا من قبل. في تلك الحانة علي سبيل المثال. في الركن. لم يكن "لوك" يستريح لذلك، و لكننا كنا نتجاهله. و بعدها   
        ذهبنا جميعاً إلي حفل. شقة أحدهم، في مكان ما في "وستبورن جروف". كنت تجلسين علي أريكة منخفضة جداً، و كنت
        أجلس في مواجهتك و أنظر تحت إزرك. و كانت جواربك تبدو فاحمة السواد لأن بشرتك ناصعة البياض. لقد شاع ذلك
        الآن، بطبيعة الحال، و لم يعد يأتي بما كان يأتي به من أرباح في الماضي، بعد أن انتشر في كل مكان. و لكن الأمر كان
        يستحق آنذاك. و كان كذلك في تلك الليلة. كنت أجلس و حسب أرشف جعتي الخفيفة و أحدق... أحدق تحت إزرك.
       لم تعترضي، بل قبلت تحديقي قبولاً تاماً.
آنـا:  هل كنت أدرك تحديقك؟
ديلي:  كانت تدور آنذاك مناقشة حامية، حول الصين أو ما إلي ذلك، أو حول الموت، أو حول الصين و الموت، لا أستطيع تحديد
         الموضوع، و لكنني كنت الوحيد الذي يشهد الفخذين المضمومتين، كأنما تُقبّل إحداهما الأخري. و لم يكن أحد يتمتع
         سواك بهما و ها أنت هنا. المرأة نفسها، و نفس الفخذين.
        (وقفة)
        نعم. ثم جاءت إحدي صديقاتك، فتاة، فتاة صديقة. جلست علي الأريكة معك، و جعلتما تتحدثان و تضحكان،
        جالستين معاً، و أنا أخفض من مقعدي حتي أنظر إليكما معاً، إلي أفخاذكما معاً، وسط الصراخ و الهسهسة، و أنت
        تدركين، و هي لا تدرك، ثم جاء حشد من الرجال الذين أحاطوا بي، و سألوني عن رأيي في الموت، أو في الصين، أو
        مهما يكن ذاك الموضوع، و لم يسمحوا لي بالبقاء بل انحنوا فوقي، حتي وجدتني محاطاً بأنفاسهم الكريهة. و أسنانهم
        المكسورة، و الشعرات في أنوفهم، و الصين و الموت، و أعجازهم ترتكز علي مسند مقعدي، فأضطررت أن أنهض و أن
        أشق طريقي وسطهم، وهم يلاحقونني بضراوة، كأنما كنت السبب في جدالهم، و أنا أنظر خلفي من خلال الدخان، و
        أسرع إلي المنضدة ذات الغطاء البلاستيك، حتي آتي بزجاجة جعة خفيفة أخري مليئة، و أنا أنظر خلفي من خلال الدخان،
        فألمح فتاتين علي الأريكة، كانت إحداهما أنت، و قد تقارب رأساهما، و انهمكتا تتهامسان، و لم أعد قادراً علي مشاهدة
        أي شئ، لم أعد قادراً علي مشاهدة جورب أو فخذ، ثم انصرفتما. و خطوت إلي الأريكة. لم يكن يجلس عليها أحد. و
        نظرت إلي آثار أردافكما عليها، و آثار ردفيك بينها.

                 
من مسرحية "الأيام الخوالي" لهارولد بنتر
ترجمة: د. محمد عناني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق