قد تبدو هذه النتيجة المستخلصة غير متوقعة، لكن انواع النظريات، التي كنا نبحث فيها، يمكنها ان تتحول بسهولة إلي عقيدة حضارية، أو ثقافية جامدة ومتحجرة. وحين تنتسب هذه النظريات إلي مدارس، أو مؤسسات، فسرعان ما تكتسب وضعاً سلطوياً ضمن الجماعة الثقافية، او النقابة، او الأسرة الانتسابية. وبينما ينبغي، بالطبع، تمييز هذه النظريات عن أشكال من العقيدة الثقافية الجامدة، وهي أشكال أشد فظاظة، مثل العرقية "العنصرية"، و القومية، فإنها تتسم بالمكر و الخديعة، ذلك ان مصدرها الأصلي -تاريخها القائم علي الإنحراف الخصامي والمعارض- يؤدي إلي تبلد الوعي النقدي، مقنعاً إياه بإن نظرية كانت عصيانية في الماضي، لا تزال عصيانية، ومفعمة بالحيوية، وسريعة الإستجابة للتاريخ. فالنظرية لو تُركت للمختصين بها، ولمساعديها، ومعاونيها -إذا جاز القول- تنزع نحو تشييد الجدران حولها. لكن هذا لا يعني انه ينبغي للنقاد ان يتجاهلوا النظرية، ولا التطلع حولها بيأس، بحثاً عن نوعية اكثر حداثة. أن نقيس المسافة بين النظرية حينذاك، والآن، هناك، وهنا، وان نسجل اللقاء بين النظرية والمقاومات لها، وان نتحرك بروح من التشكيك المقترن بالبحث والاستقصاء، في العالم السياسي الأوسع، حيث ينبغي النظر إلي أشياء مثل "الإنسانيات" أو "الروائع الكلاسيكية" علي انها مقاطعات صغيرة للمغامرة البشرية، وان نرسم معالم المنطقة بكاملها، التي تغطيها أساليب نشر بذور الأفكار، والاتصال، والتفسير، وان نحافظ علي نوع من الإيمان المتواضع (وربما المتقلص) بالمجموعة الإنسانية القائمة علي اللاعنف: إذا، لم تكن هذه الأمور واجبات إلزامية، فهي تبدو علي الأقل، انها بدائل ذو جاذبية شديدة. ولنتساءل، في النهاية، ما هو الوعي النقدي، في صميمه، إن لم يكن نزوعاً ًنحو البدائل لا يمكن إيقافه؟
إدوارد سعيد
انتقال النظريات
ترجمة: اسعد رزّوق
عن موقع حكمة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق