أمريكانلي بالنسبة لي هي أفضل الأعمال الأدبية الحديثة، فحجمها و هوامشها الموسوعية تخلق لها حالة من السحر و المفاجأة الدائمة. فمهما قرأتها أكثر من مرة تظل هناك دائماً جوانب منها منسية أو مخفية لم أمر عليها من قبل. هذه الهوامش الممتعة التي تملئ الرواية بطولها و عرضها، حتي أن هناك صفحات كاملة عبارة عن هوامش فقط، أو يصل فيها الهامش إلي منتصف الصفحة. هذه الهوامش تُسجل و بدقة أصغر التفاصيل التي مر بها بطل الرواية عبر رحلته من مصر إلي سان فرانسيسكو، مما يُكون في المجمل رواية من نوعية (أدب الرحلات) و تتفوق أيضاً علي ذلك بذاكرتها الفوتوغرافية المدهشة.
المحتوي -كنص روائي- مميز و مجدد لأن السرد غير مكثف، بمعني أنه مسطح flat لا توجد نقطة تركيز أو ذروة، و إنما هو سرد أفقي يشبه لغة السرد السينمائي، يروي الحدث بحيادية و يترك للقارئ الإحساس و التخمين و الأستنتاج، و المقارنة أيضاً. المقارنة هنا بين القاهرة و سان فرانسيسكو مخفية أيضاً و لكن تأثيرها واضح و قوي.
الشخصيات غزيرة و مرسومة من وجهة نظر البطل لذا فكلها شخصيات انطباعية و لكنها تحمل الكثير من المضامين و التفاصيل المخفية أيضاً التي تحتاج إلي التركيز مع كل شخصية علي حدة خلال إعادة القراءة لتتبع تصرفاتها و استنتاج نفسيتها.
البيئة التي تدور فيها الأحداث هي الوسط التعليمي في المستوي الجامعي بين القاهرة و سان فرانسيسكو. وسط المحاضرات و العروض التقديمية و الطلبة و الكافيتريات و الشوارع و الأساتذة. و هو وسط ممتاز يجعل للرواية مذاق ممتع، جعلني أقرأها أثناء فترة الدراسة بالجامعة حوالي خمس أو ست مرات.
لكل هذا فأن أمريكانلي هي كتابي المفضل الذي يمكن تلخصيه في عدة كلمات: كتاب الألغاز، أدب الرحلات، أمريكا، الجامعة، التاريخ.
أما عن صنع الله فكونه الكاتب المفضل لي ذلك أنه يكتب نوعاً من الأدب يُمكن اعتباره "الادب الرجالي". جرئ و مدهش و مقتحم و صادق، يعرف الهدف و يصيبه مباشرة بكلمات قصيرة واضحة. مواضيعه سياسية اجتماعية في سياق تاريخي، تؤرقه هموم و مشاكل وطن فقير. شخصياته ضعيفه متصالحه صادقة مع نفسها.
مُخلص لكتابته. صابر. طويل البال عليها. دون إغفال تاريخه الطويل في النضال السياسي و التحيز الشديد للشيوعية. إنه تماماً الشخص المفضل لي.