"حادث غامض."
أحمد
مجدي شوقي
مذعور؟!..
كلا، لم يكن سوني مذعوراً وهو يتحضر لمقابلة محقق الشرطة، بل كان أقرب إلي التوتر
المكتوم والسيطرة علي الأعصاب، بعكسي أنا الذي كنت قد بللت سروالي –بتعبير مجازي-
عندما أطُلق علينا النار منذ ساعات.
جلس
سوني أمام المحقق رابط الجأش، يخفي توتره بتدخين سيجارة. سأله المحقق هل له
أعداء؟! ومن يمكن أن يعادي سوني؟، إنه بصراحة شخص لطيف، وكريم جداً مع أصدقائه، لا
يمكنني تخيل هذا الحادث في صورة أخري غير الصدفة.
بالأمس،
عندما كنا نتحضر في غرفة الإعداد بالكواليس قبل الخروج علي المسرح، قلت لسوني
ضاحكاً ونحن ندخن الحشيش:-"ربما يمكنك أن تطلق النار علي الجمهور كنوع من
التجديد كما فعل مارلين مانسون من قبل."
كنت
أنا من عَرّفته علي مارلين مانسون، أقوم بهذه المهام التثقيفية من آن لآخر عندما
أكون في مزاج تشاركي رائق. أطلقت ذلك التعليق منتشياً بجو الغرفة و الإعداد للحفل،
ولم أكن أتصور أن لعنة مانسون ستحل بنا ونتعرض لإطلاق نار بعد ساعات قليلة فحسب من
انتهاء الحفل.
عندما
طلب المحقق من سوني أن يصف له بالضبط ما حدث بالأمس، راح يصف له بكلمات قوية مليئة
بالانفعال وغير موجزة؛ كان حفلاً رائعاً، الجمهور كان في حالة انتشاء مسبقة، ولم
يكن بحاجه للكثير من المجهود لدفعه إلي حالات غير مسبوقة من الطاقة و الخرق. خرجنا
من الحفل في سيارتين، كنتُ في سيارة يقودها أحمد ومعي فتاتين، وفي السيارة الثانية
أمير سيف ومعه فريقه. توقفنا أمام الفندق الذي يقيم به أمير، ونزلنا من السيارات،
ولم نكد نقترب من مدخل الفندق حتي دوي صوت الرصاصة الأولي بعنف شديد وتحطمت
البوابة الزجاجية للفندق أمامنا. الرصاصة الثانية والثالثة جاءتا بعد ذلك لتجعلنا
جميعاً نلقي بأنفسنا ملاصقين لسطح الأرض.أخذ منا الأمر عدة ثوان لندرك أن أحدي
الرصاصات الثلاث لم تستقر في جسد أي منا، وفي الثانية التالية لمحنا جانب خفي من
مطلق النار وهو يفر هارباً.
آه،
كنت أتمني أن أحصل أنا علي الفرصة لرواية القصة. كانت تحتاج أن تصل إلي المحقق بشكل
أكثر تنظيماً ووعياً. كنت لأصف له الحالة شديدة الخرق التي كان عليها الجمهور قبل
خروج سوني إلي المسرح، وقد كان من الواضح أن أغلبهم كانوا يدخنون المخدرات بكثافة،
ولا يكترثون كثيراً للراب. هذا من حسن حظ سوني في الكثير من الأحوال، فلا أحد
ينتبه لمدي فظاعة صوته. كنت لأؤكد علي الأسلحة التي كانت بحوزتهم من مدي وزجاجات
وشماريخ. كنت سأرسم مشهد إطلاق النار بشكل أوضح، مشبهاً إياه بنفس المشهد تقريباً
الذي أدي لمصرع جون لينون في الثمانينات، وكنت سأضيف أن سوني كان هو المقصود
بالحادث لأن أمير ورفاقه كانوا قد عبروا البوابة بالفعل، وسوني كان في منتصف
الطريق إليها عندما أطلق المعتدي الرصاصة الأولي.
في
بهو الفندق، بين يدي رجال الأمن والمتجمعين، وفي وسط التوتر الشديد حينها أخبرت
سوني للمرة الأولي مشدوهاً أن هذا بالضبط هو ما حدث مع جون لينون، فقال متسائلاً
بلا حضور:-"جون لينون من؟!" لكنني لم أرد عليه غاضباً من غبائه، وكررت
بلاوعي عدة مرات وأمام ناس كثيرون أن هذا بالضبط هو ماحدث مع جون لينون.
سأل
المحقق عن أمير سيف، وعن رفاقه، وعن الفتاتين اللتين كانتا معنا في السيارة، وعلي
الفور تداعي إلي ذهني الموقف أول أمس عندما كنا نجلس بالمقهي الشهير في وسط البلد،
وجاءت تلك الفتاة متفجرة الجمال من اللامكان، عبرت من أمامي بليونة مقتربة من سوني
وسلمت عليه، وسألته بحبور أليس هو المغني الذي يغني مع أمير سيف؟! قام سوني ليسلم
عليها وأجابها بنعم انه هو. أخبرته كم تحب أمير سيف وتتمني لو أنه فقط يمنحها رقم
تليفونه. عضضت شفتيّ في غيظ وضحكت. أخرج سوني تليفونه ولكنه كان مغلقاً، نفذت
البطارية، هكذا قدم لها ما هو أفضل،أخبرها أنه سيكون معه علي المسرح اليوم،
بالصدفة البحتة، وأنها يمكنها أن تأتي كمدعوة خاصة لتراه وجهاً لوجه وهو يؤدي
بجوار أمير سيف.
الأحمق!
لم يعرف أنها كانت تستغله طوال الوقت لتصل إلي أمير سيف. أو أنه كان يعرف ولم
يمانع، فقط كان يقضي وقتاً ممتعاً؟
لو
كان الأمر يعود إلي، لما مانعت إطلاقاً في أي دقيقة ممتعة تأتي بأي طريقة كانت، مع
كل هؤلاء الفتيات الجميلات اللاتي يأتين من اللامكان، واللاتي يحطن به لانه فقط يمسك
بالميكروفون، وإن لم يفقه شيئاً في الموسيقي. وماذا فعلت أنا ببعض العقل؟ أولم
ينتهي بي الأمر إلي التلصق به للحصول علي الفتات، أولم يصل بي التدني إلي قبول
استمرار رفضه لغناء ما أكتبه حتي الآن من أجل الحفاظ علي ما أحصل عليه منه أو عن
طريقه؟ لقد تلقي أكثر من خمسين مكالمة علي هاتفه بعد الحادث معظمها من فتيات تطمئن
كلها عليه، بينما لم أتلق أنا سوي ثلاث مكالمات؛ من والديّ، وفتاة متوسطة الجمال
والمواهب كنت علي علاقة قديمة بها، والثالثة كان الرقم خطأ.
بينما
كنا ننتظر في حجرتنا في الفندق كما طلب مننا محقق الشرطة، كنا نحاول التغلب علي
توتر الأعصاب وقتل الوقت بتدخين الحشيش والأستماع للموسيقي وإجراء المكالمات
الهاتفية، وكان العديد من أصدقاء سوني و أمير سيف يمرون بنا للسؤال و الإطمئنان،
وكان سوني يستقبلهم جاهم الوجه متصنعاً للخطورة، وكانت الفتيات تقبلن وجنتيه
تعاطفاً معه، وأحتضنته واحدة منهن وهي تبكي تأثراً.
تشاغلتُ
بأختيار تراكات الموسيقي علي جهاز الهاي فاي، وإدارة صفحتنا علي الأنترنت. كان
الخبر منتشراً، والكثير من التعليقات بأنتظار الرد عليها لتوضيح الأمور. وكان هناك
عدد كبير من الأعضاء يريد الحضور لزيارة سوني في منزله بالحي الراقي، ابتسمت
ساخراً، لا يمكن أن نسمح بهذا، فلا يمكن أن يروا "الحي الراقي" المزعوم
ويكتشفوا أنه محض الحي الشعبي الملاصق له، وإنما نتمسح به لإكمال الصورة الجميلة.
الفارق كبير جداً بين سوني و أمير سيف، الفارق بين الأصل والصورة الباهتة، فارق
قوة الأصالة و هشاشة أساسات الحداثة. حتي الفارق بيني وبين سوني كبير، أم أنه غير
محسوب؟! أنا مثلاً خريج الجامعة الحكومية العريقة التي ينسب سوني نفسه إليها بدون
أدلة، ولكني هاأنا بتعليمي الحسن آتي في المرتبة التالية في الأهتمام وهو الذي لم
يكمل حتي شهادته المتوسطة.
أتصل
بنا محقق الشرطة في الحادية عشرة مساءاً. قال أنه بالبحث تبين وجود عاشق متيم
بالفتاة التي جاءت وسلمت علي سوني في وسط البلد ثم خرجت معنا بعد الحفل، و مسجل له
سابقة اعتداء بسلاح ناري. انفعل سوني وسبّ الدين للرجل الغائب، حالفاً بالقبض علي رقبته وتحطيم وجهه باللكمات. لكن المحقق
أضاف أن الرجل المشتبه به لديه حجة غياب لابأس بها، فقد كان حاضراً طوال مساء أمس
لحفل زفاف بالمنطقة الشعبية التي يقيم بها، وهناك ضابط شرطة ضمن الشهود الحاضرين
بالحفل أمّنْ علي أقواله. وأن الموضوع لازال قيد التحقق و مطابقة أقوال الشهود.
ارتفعت
حدة التوتر، حتي ان تقليل درجة حرارة تكييف الغرفة لم تفلح في خفضها. وبقينا هكذا
معلقين بين إجابات غير مؤكدة لحادث غامض.
(كتبت خصيصاً كجزء من برنامج ورشة "إيهاب عبد الحميد" للكتابة الإبداعية)
مايو2012
15/5/2012