الثلاثاء، 26 يونيو 2012

الذاكرة الشعرية

يبدو ان في الدماغ منطقة خاصة تماما ويمكن تسميتها ب"الذاكرة الشعرية"، وهي التي تسجل كل الأشياء التي سحرتنا او التي جعلتنا ننفعل أمامها، وكل ما يعطي لحياتنا جمالها. مذ تعرف توماس إلي تيريزا، لم يعد لأي امرأة الحق في أن تترك أثراً ولو عابراً في هذه المنطقة من دماغه. 
كانت تريزا تحتل ذاكرته الشعرية باستبداد مكنسة منها كل أثر للنساء الاخريات. لم يكن هذا عادلاً لأن المرأة الشابة التي مارس الحب معها مثلا فوق السجادة أثناء العاصفة لم تكن أقل جدارة من تيريزا بذاكرته الشعرية. كانت تصرخ له: "اغمض عينيك وامسكني من وركيّ ثم ضمني بقوة!". لم تكن تستطيع ان تتحمل عيني توماس مفتوحتين، ومتيقظين ومتفحصتين أثناء المضاجعة. ولم تكن تتحمل أيضاً أن يكون جسده الذي يعتلي جسدها غير ملتصق به تماما. لم تكن تريد ان يتفحصها توماس بل كانت تريد ان تجذبه إلي بحر السحر الذي لا يمكن الولوج فيه الا بعينين مغمضتين. كانت ترفض ان تدب علي الأربع لأن جسديهما في هذه الوضعية يتلامسان بالكاد، ولأنه كان يستطيع مراقبتها عن مسافة تقارب الخمسين سنتمتراً. وهي كانت تكره هذه المسافة. لذلك، كانت تؤكد أمامه بأصرار، وهي تنظر إلي عينيه، أنها لم تكن تستمتع بذلك، مع أن السجادة كلها تبللت من متعتها. كانت تقول : "لا أفتش عن المتعة بل أفتش عن السعادة. والمتعة دون السعادة ليست بمتعة". وبكلمه أخري، كانت تدق علي باب ذاكرته الشعرية ولكن الباب كان مقفلاً. لم يكن هناك من مكان لها في ذاكرة توماس الشعرية. لم يكن هناك من مكان لها إلا فوق السجادة. 

ميلان كونديرا- خفة الكائن غير المحتملة. 

هناك تعليق واحد:

  1. من رواياتي المفضلة :)
    قريتها بداية السنه دي :)

    ردحذف