العيش في الحقيقة :
إنها عبارة استعملها كافكا في يومياته أو في إحدي رسائله. لم يعد فرانز يتذكر أين بالضبط. ولكن هذه العبارة تسحره. فما معني أن نعيش في الحقيقة؟ ثمة تعريف سلبي سهل: معناه ألا نكذب وألا نُخفي وألانتكتم. وهو، مذ تعرف إلي سابينا، يعيش في الكذب. فتاره يحكي لزوجته عن مؤتمر في أمستردام، وتارة أخري عن محاضرات في مدريد لا أساس لها من الصحة. وهو أيضاً يخاف من التنزه برفقة سابينا في شوارع جنيف. أن يكذب وأن يتخفي أمر ممتع لمجرد أنه لم يفعل ذلك من قبل، فهو يشعر عندها بدغدغة لذيذة كما عندما يقرر الأول في صفه أخيراً أن يتنزه بدل الذهاب إلي المدرسة.
أما العيش في الحقيقة و عدم الكذب علي أنفسنا أو علي الآخرين، بالنسبة لسابينا، فأمر غير ممكن، إلا اذا عشنا بعيدا عن الناس، فما أن يكون هناك شاهد علي أعمالنا حتي نتأقلم طوعاً أو كرها مع النواظر التي تراقبنا فلا يعود أي شئ مما نقوم به حقيقاً. أن نحظي بجمهور و أن نفكر بجمهور، فهذا يعني أن نعيش في الكذب. سابينا تكره الأدب الذي يكشف في الكاتب عن حياته الخاصة أو عن حياة أصدقائه الخاصة.. وتفكر سابينا أن ذلك الذي يفقد حياته الخاصة يفقد كل شئ. و أن من يتخلي عنها بكامل إدراته، إنما هو مسخ. لذلك فإن سابينا لا يؤلمها أن يكون عليها أن تخفي حبها. بل علي العكس، هذه هي وسيلتها الوحيدة لكي تعيش في الحقيقة.
ميلان كونديرا - ت: ماري طوق.
خفة الكائن غير المحتملة