أنا لاأجد ما أصف به مجئ الصيف هذا العام سوي"هي ناقصة". يجيئ الصيف و معه كل القرف و الحر والزحام الملازمين، وصيف هذا العام بالذات يجئ ليزيد من حدة عصبيتي إلي حد جنوني غير مسبوق، روحي في حلقي، وجهي صخري، و عيناي تشعان بالغضب المشتعل و أحياناً بالجنون المطبق.
أشعر أنني قادر علي جذب الزناد. أقسم بالله أحياناً أحس أنني قادر علي الانتحار بسهولة.
كل شئ. كل شئ.
المترو يُقصّر عمري.
مجرد الخروج و رؤية الناس أصبح أمراً يثيرني إلي حد القتل. لقد فقدت السيطرة علي نفسي تماماً تماماً، و لم أعد أهتم فعلاً بأي شئ أو أي شخص. تقريباً فقدت كل صداقاتي.
اليوم قابلت صديقاً قديماً، و كنت أشعر بأستهانة بالغة به في نفسي و أنا أقف معه. كنت أظن أنني سأظل احترمه، علي الأقل لمواهبه، ولو ابتعدنا و لكنني لم أشعر بذلك بل شعرت بالأستهزاء و الأستخفاف الشديدين تجاهه.
تصرفاتي صارت أخيراً مثل كل السكاري المخبولين غير المتسقين مع المجتمع، بعدما كان وقاري و أخلاقي يجبراني علي التحفظ و التلطف دائماً مع الناس، إلا انني صرت لا أطاق الان، وهم يتكلمون عني و من وراء ظهري في كل مكان، عن غضبي، و عن صمتي، و عن انفرادي بنفسي، و عن ردودي المستفزة، و صدي لمن يسألني عما بي، و ربما منهم من يتآذي مني. ولكن لايهم الآن. ...اختهم جميعاً.
مثل الشيخ الكذاب الذي كانت قضية عمره كله هي "شتيمة أمريكا" ثم اتضح بعد ذلك ان امه امريكية، أواجه أنا الان كل ما كنت اعتبره طوال العمر "قضية حياتي". وضعتني الظروف في قلب كل ما لا أطيق، و كل ما كافحت طيلة الوقت لتفاديه.. الوظيفة، المواصلات العامة يومياً، الناس، الاختلاط الحتمي بالعوام محدودي معدومي الثقافة، اليونيفورم، أن أكون متاحاً للجهلة ينادوني و يستوقفوني، تلقي الأوامر ممن هم أقل شأناً، الجلوس في مكتب مع موظفين، الحرمان من الحريات، الروتين.
أنا طاقة كراهية متحركة.
كم أكره أ. مثلاً في الحقيقة ولو يظهر أحياناً أني أحبه. لكني أكرهه و أكره كل من علي شاكلته ممن يستندون في كل شئ إلي عائلاتهم دون أي مجهود فردي منهم. جاهل حقيقي في صورة وسيمة مهذبة. لا يتذوق الفن، و ذوقه سطحي تماماً كمستوي تفكيره و إدراكه، لم يقرأ عُشر الكتب التي قرأتها أنا..لا، انه أصلاً لم يقرأ كتابين علي بعض في حياته كلها. لم يتلق ثلث التعليم الذي نلته أنا، ولا يستطيع فعل ما أفعله بالأوتوكاد و الفوتوشوب، ولا يعرف ربع إنجليزيتي، وبالتأكيد هو لا يمتلك أي مواهب أو تشغله أي قضايا خاصة علي الإطلاق. ومع ذلك، و مع كل ذلك، فهو يعيشلي في مصر الجديدة، و يقود سيارة حديثة، ويدعي مهندساَ-بشهادة أكاديمية خاصة- و يعمل ب"أوراسكوم" نفسها، و مخطوباً لفتاة جميلة متحررة، ويطلب كل يوم، كل يوم، طعاماً خاصاً من مطاعم مشهورة، و محبوباً بشدة إلي حد مبالغ فيه من كل الناس. وخلف كل هذا قائمة ضخمة من المعارف في كل المجالات جاهزة دائماً لحمايته و تمهيد الطريق له في أي مكان و تحت أي سماء.
بينما أواجه أنا كل الأخطار المحتملة وحدي بدون أي ظهر يحميني، و اتغذي علي البسكوت ذو الخمسون قرشاً، واضطر للآكل في بعض الأيام في ميس الجنود بمعلقة بلاستيكية، و أحسب النقود المتبقية للمواصلات بدقة.
أنا لا أفهم كيف يعيش مثل هؤلاء الناس وينجحون علي الأقل بمثل هذا الخيال المحدود في أدمغتهم العفنة؟!!! أنا أتكلم عن أبسط شئ.
يمكن بسهولة تصنيف مشاعري هذه علي انها "حقد طبقي" بلا تجميل، ولن أسوق دفوعاً مقنعة لأي اتهامات لا لشئ سوي لأنني لا أهتم فعلاً!! لا يمكن تصديق درجة اللاهتمام التي وصلت لها!!
التصنيف الطبقي المجتمعي يجب أن يكون فردياً وليس معتمداً علي العائلات. يجب أن يستحق كل شخص حقوقه ومكانته بنفسه. لو أن الحقائق هي أساس المظاهر و الأفعال لكنت أنا ضمن صفوة المراتب في التصنيف، ولما تآذيت بسحب عائلتي لي إلي القاع كما يحدث الآن.
أنا مغرور نعم، ولكني، علي الأقل، لست أنانياً مثلكم!!
ولا شئ يعميني جنوناً في هذه الدنيا مثل اختلال الأوضاع هذا!!
بجد، لم يكن ينقصني سوي الصيف.
فعلاً جاء الصيف في وقته، ككل شئ.
أحياناً، لا تحصل على شيء لأنه ببساطة ليس الوقت الجيد لأن تحصل عليه، فالله القادر القدير المقدر لكل شئ، يحفظ لك رزقك، حقك مكتوباً في اللوح المحفوظ، وكل ما تؤمن للحصول عليه، زواج، ترقية، مكافأة، هدية، تعليم، هدف في الوقت المناسب، يرسل لك الأشخاص المقدرين، سواء يحيونك أو لا يطيقونك، فقد يكونوا رسائل من خلال الله، ليدعمونك، معنوياً، مادياً، وأخوياً
ردحذفأعتقد كوني صديقاً مقرباً - أشك فيها بعد هذه الكلمات - يجعلني أرد عليك بعض حديثك .. دقق النظر .. فهناك دائماً حكمة ما .. لن تستنتجها إلا في الوقت المناسب ..
ردحذفأعرف صديقاً ساقه حظة العثر لحضيض لا يستحقه .. لكنه أبداً لم يكن ساخطاً ..
ارتباطك بالعائلة هو شئ مربك بالحقيقة .. لكنها لحكمة ما .. ستدركها في وقتها .. فأنا لم أدركها بعد ..
أنا لا أعرف منك نسخة سيئة .. فأنت نضجت بمعدل سريع .. فقط .