الخميس، 8 ديسمبر 2011

في حي الأحلام المكسورة

ليس هناك أجمل في عينيه من ديكورات الكريسماس الحمراء و الخضراء الثلجية في محلات الزمالك البرجوازية. بالطبع الإحساس مختلف مع روح و أعين كهذين مشتاقين لمظاهر الجمال و البهجة بعد أيام العجاف، و لهما الحق. شاخت المدينة حقاً و تهدلت، كبر الأطفال و طالبوا بحقهم فيها و نالوه، لكن الزمالك احتفظت برصانة و حكمة الكهولة، و بهالتها الوقائية من العشوائية العمرانية الشرسة، و من تطرف الدولة الدينية، و حتي من تقلبات المعركة السياسية المتاخمة. كل هذا يبرر قضاء النهار بين المطاعم و المقاهي و المكتبات في شوارعها الهادئة الوارفة، و لكنه لا يبرر الوحدة. خاصة و أنها إجازة مقدسة، ساعاتها مهمة و دقائقها التي تمر لها ثمنها. و أن الأفعال الموازية لنا كبشريين أجمعين تقوم علي الرغبة في تفادي الوحدة، و في التقرّب دافئين حول الفراغات. و لكن لحظة، وحدته لا تحتاج إلي تبرير! الوحدة صارت، لا، ليس أسلوب حياة، هذا سخف. صارت أثراً جانبياً لتذوق الجمال، عاملاً مصاحباً لتفاعل كيميائي لابُد و أن يتم بطريقة معينة ولا يتم إلا بهذه الطريقة فقط. ولا وسيلة لتحقيق الجمال الآن قسراً إلا بها، فلا مجال للمجازفة بتلقي كلمة أو تعليق من صحبة غير مقصودة، و لا مجال لتشتيت التركيز بحديث متعب يدور علي هامش الحقيقة. الآن فقط هو و ظله و قلبه الهش المعلق بالبهجة و الطريق. ولا شئ أمتع، و أكثر دفئاً و أماناً و تفهماً. كانت القسوة مجالاً للتفكير و التخاطر، كذلك هواجس السيطرة و التسلط و التقييد و السجن و القتل البطئ. "حُكم النفس علي النفس" كما لخصها سائق ميكروباص في جملة واحدة عبقرية خرجت بإلهام آلهي شوارعي. تحالف سوء الحظ مع خط الزمن. النظرات. الحياة علي الهامش. دفع الضرائب. المنع قسراً من المشاركة. طاقة الكُرة. مخزون الرهافة. لقطات سابقة، و جارية، ولاحقة، ومرغوبة. برجوازية مفزعة في رقتها. يوم أو اثنين. فقدان القدرة علي الإتصال و الربط. كانت هناك فتاة منعه عنها التردد و البذلة الكاكي. إغوائها أكبر من أن يقاوم؛ تجلس في حيز حقيقي محسوس في عربة الرجال في السادسة صباحاً، تقرأ نسخة قديمة من السكرية لنجيب محفوظ مُحققة بذلك المعجزتين: الجمال و الذكاء. هل كانت تحتفل بمئوية محفوظ بطريقتها الخاصة أم كانت صدفة، تبدو مناسبة لكي يتخيل لها حياة خاصة مثالية، ربما تكون كاتبة شابة نشرت كتاباً أو اثنين علي نطاق محدود، أو تحاول ان تكون كاتبة و تبحث عن مرشد روحي. هل قرأت السكرية من قبل و تعيد قراءتها، أم أنها تقرأها للمرة الأولي، هل هي قارئة محترفة أم انها تجرب القراءة لأول مرة. ساعات البرد في الخدمة الليلية و التفكير في صدر أنثوي دافئ كامل الأحتواء، لابد لإمرأة كهذه من التواجد. و عندما توجد فالمثير للسخرية و الشفقة ان ما يحتل العقل بالكامل و يشله هو اليقين بـأنه "لا شئ فعلاً ليقال". كل شئ سيضيع في فوضي اللغة و الإنطباعات و سوء الفهم. طاقة الإحباط السلبية المتولدة من الإنكسار المرحلي للروح و الأحلام. العجز عن إصابة الهدف. دفع الضرائب.
            2-12

         

هناك تعليقان (2):