الأعتراف بالحق، و التصالح مع الذات، و معرفتها هو ما يغيب عنا الان. نحن نعيش مرحلة غريبة من الأنتكاسة بعد نجاح ثورة 25 يناير، و يعود ذلك إلي طمع كل فصيل في السلطة. بعدما انزاحت آله التعذيب و الترهيب التي كانت تُخرس الجميع، صار كل فصيل يحلم بتطبيق قواعد عالمه الخاص علي الدولة. ليس يحلم فقط، بل و يريد..و ينفذ بيده أيضاً.
صعود التيار الإسلامي المتشدد و رغبته في فرض أقصي درجات التشدد و التزمت الديني علي المجتمع، إلي الحد الذي يصل إلي تصوير استفتاء قومي عام علي أنه مسابقة لنصرة الأديان، ثم إلي قطع أذن مواطن قبطي، و هدم الأضرحة، و أخيراً التظاهر ضد محافظ مسيحي. إنما هذا انغلاق فكري شديد، و سلوك عدواني عنيف يدعونا لتساؤل هام عن طريقة تفكير هذا الفصيل. و مستوي تعليم و ثقافة متبعيه سواء من التابعين المباشرين، أو من المؤيدين من المواطنين العاديين.
حادث كاميليا شحاتة المرأة الأسطورية التي أنزلت الرجال من بيوتهم لمسيرات و جدالات و تلاحمات، و الذي يعاد فتحه الان و مواصلة الجدال العقيم فيه مرة أخري. هل تستحق الحياة الشخصية لأمرأة أن تكون مسار جدال إلي هذه الدرجة التي جعلتنا نهرم فعلاً من متابعة هذه القضية؟ لقد هرمنا و ورمت مراراتنا و نحن نتابع التراشق اليومي بعد المتشددين من الطرفين. هل سينهار الدين لأن امرأة تركته و اعتنقت ديناً أخر؟..لقد أراد حسني مبارك أن يقنعنا أنه هو الدولة و أن الدولة هو. و أن برحيله يسقط كل شئ و تنهار الدولة. فهل كاميليا شحاتة و سواءها - لأ أقصدها بعينها- هم أركان هامة إلي هذه الدرجة في أديان سماوية مقدسة معروفة منذ الالاف السنين؟
العبث و استغلال الفراغ الأمني. هل قضية مثل استحقاق موظفين درجة ثانية للتثبيت الوظيفي- الذي لم يحدث من سبعة عشر عاماً- يتم التعبير عنها بقطع شارع مثل القصر العيني؟..أعتقد أن هذه تعد جريمة يعاقب عليها القانون بالحبس و الغرامة في الولايات المتحدة نفسها بلد الحرية و التظاهرات. هناك حالة غباء و عدم قدرة علي رؤية المشهد من كافة جوانبه. حالة إيمان كبير بالذاتية و عدم القدرة علي تقدير مستوي المشكلات و المطالب الفئوية بالضبط، و من ثم اختيار الطريقة المناسبة للتعبير عنها.
في حالة النظام السابق كنا جميعاً مع التظاهرات و مع قطع الطرقات و توقف العمل، لأنها كانت حالة عصيان مدني شاملة و عامة من أجل إسقاط النظام. أما الان و قد سقط النظام بالفعل، و بدأت محاسبة رموز الفساد جميعها، و وضعهم في الحبس الأحتياطي، و تجميد أموالهم. فهنا هل قطع الطرقات و العصيان المدني هو الطريقة المناسبة للتعبير عن المطالب الفئوية؟ و نحن الان في مرحلة عمل و إعادة بناء و تطهير؟
حالة التعصب الشديدة لفكرة سياسية أو لدين معين. أليست هذه عنصرية صريحة؟. أليست أوروبا و أمريكا هي حلم الحرية و ممارسة الطقوس الشخصية الخاصة في أمان؟ لماذا إذن نريد تطبيق النموذج الأحادي في الوطن؟ و هل يقبل السلفي المتشدد -مثلاً- أن يُطبق عليه الحد من معتنقي ديانات أخري داخل وطنه -بفرض توافر نصوص مجازية- بأعتباره كافراً من وجهة نظرهم؟ ما رأيه في هذا؟
قد تكون العنصرية و التعصب جزء من تربيتنا علي فكرة. فلقد نشأنا علي فكرة النموذج الاحادي، و رفض فكرة التعددية في كل شئ. لهذا تظل فكرة قبول الآخر ضعيفة و محدودة. و ماذا فعل المصريون بشهادات التخرج و رسائل الدكتوراة؟ الإجابة : تظل في الأدراج و المكاتب فمكانها هناك فقط، لكن المجتمع و الحياة و المنزل تحتاج (دماغاً) أخري لتسييرها، لا علاقة لها بعلم الكتب و المراجع. دماغ القوالب، و التصنيفات، و الأحكام الجاهزة.
هناك مصريون كثيرون متعلمون و أدمغتهم نظيفة لامعة. لقد قمنا بثورة شعبية عظيمة..هذا دليل. أليس كذلك؟
المشكلة الآن في طغيان الجانب الخفي الذي ظهر أثناء الثورة كجزء منها في اللجان الشعبية المتطرقة في مناطق معينة، و لجان توقيف السيارات و تفتيش المارة بداعي و بدون داعي. هذا الجانب الذي لم يكن دوره أثناء الثورة ملحوظاً لغياب الرؤية عنه، و لغياب فاعليته أيضاً في تلك الأثناء. اما الان و قد هدأت الأصوات العاقلة، فقد ظهر هذا الجانب الأخر من المجتمع و الذي يمتلك الصوت و الذراع و الشومة و يفتقد للعقل و التمييز، و لا يوجد أمن قادر علي التصدي له حالياً. فقد صارت مهمته أسهل الان إذن في خلق تلك الأنتكاسة الفكرية القومية التي أراها علي الأخبار و المتابعات اليومية.
سؤالي الان هو : في ظل كل هذه المتغيرات، هل ستكون الخلفية الثقافية العامة أو الغالبة في المجتمع المصري، بما تتضمنه من تربية دينية أحادية منذ الصغر، و نموذج الأب المرعب في العقيدة الفكرية المحلية، مع التابوهات المحرمة المعروفة، و النزعة الأنوية التسلطية، و رفض النقد و آزدراء التوصيات عند العمل العام.
هل ستمثل هذه الخلفيات المتعددة و -الغالبة كما قلت، في النهاية الدولة ليست القاهرة فقط، و التصويت في أي انتخابات لن يكون في ميدان التحرير فقط- عائقاً أمام التصور الذي يحلم به المثقفون و السياسيون الليبراليون لدولتهم الجديدة؟
هل ستظل أحادية الرأي و الأنفرادية بالقرار مع الأنغلاق الفكري الديني/السياسي التشددي عوامل مؤثرة و نقاطاً مركزية في المشهد الأجتماعي المصري بالعموم؟ أم هل يمكن التغلب علي هذه العوامل بروح ثورة 25 يناير و بناء مجتمع ديموقراطي متطور جديد؟
رأيي و قناعتي الشخصية هي أنه لا يمكن التغلب علي هذه العوامل الآن، لانها عوامل منشأ، و تربية، و عقائد فكرية و روحانية ثابتة.. علي الأقل ليس في عمر هذا الجيل.
Damn right !
ردحذفكل ما بمشي في الشارع بفكر في تعبير " انتكاسة ما بعد الثورة " ومليون ألف دليل على صحة كلامك
بدأت أفقد الأمل تماما في حصول البلد دي على حريتها وتحررها من قيودها وارساء قواعد الديموقراطية
أعتقد على مر العصور اننا لم نحصل على نظام ديموقراطي اطلاقاً ، مما يزيد من قناعاتي بعدم حدوثه مستقبلاً