‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوار. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حوار. إظهار كافة الرسائل

السبت، 5 ديسمبر 2009

حوار مع المدون الجزائري عمار بن طوبال حول الأحداث الأخيرة بين مصر والجزائر

لا تهتم مدونتي كثيراً بالرياضة أو بالسياسة، لكني صمتُ كثيراً تجاه القضية المُثارة مؤخراً بين مصر والجزائر، وفكرت في الطريقة المثلي لفعل شئ ما..بدلاً من الأنضمام لفريق الغاضبين الثائرين الذين يتظاهرون أمام السفارة الجزائرية في القاهرة، أو الأنضمام لفريق المُستفزين باردي الأعصاب، وانهمك في وضع لينكات أغاني الراي الجزائرية علي الفيس بوك لأستثارة مشاعر الأخرين.
وبسبب إيماني التام بأننا نعيش في عصر الإعلام المُوجـه، إعلام (من يدفع أجر العازف، يختار اللحن)..رأيت أن أفضل طريقة لتكوين رؤية موضوعية للقضية هي بالحديث مع الطرف الأخر مباشرة..فنحن تحدثنا مع أنفسنا، وتحدثنا مع السودان، وتحدثنا مع العالم..لكننا لم نتحدث مع الجزائر..لهذا اخترت ان أراسل المدون الجزائري الشهير عمار بن طوبال طالباً إجراء حواراً قصيراً معه حول القضية، ولم يمانع عمار في الحقيقة وسرعان ما أرسلت له بأسئلتي ليرد علي كاشفاً البعد الأخر من القضية.
لمن لا يعلم فـ(عمار) هو أيقونة مهمة في عالم التدوين الجزائري الذي ما زال يفتقد للحيوية للأسف. لمزيد من المعلومات حول عمار أو حول التجربة الجزائرية في التدوين يمكنكم قراءة حوار يوسف بعلوج مع عمار المنشور في مدونة ميولوج.
قراءة مفيدة.

بداية ما رأيك في القضية ككل؟ ومن تراه مُداناً؟

بعيدا عن خطاب الإدانة المتبادل بين الجزائريين والمصريين، أرى أن القضية أخذت أكثر من حقها، وتحولت عن مسارها للتغطية على قضايا لا تمس كرة القدم، فالنظام الجزائري وجد التعلق الشعبي الكبير بانتصارات الفريق الوطني لكرة القدم فرصة لركوب الموجة وتجميل وجهه، وبعبارة أصح التغطية على إخفاقاته على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فالفائز الأكبر في الجزائر بعد الفريق الوطني لكرة القدم هو الرئيس بوتفليقة الذي استغل حماس الجماهير بذكاء، واستطاع كسب بعض القلوب التي كانت لوقت قصير غاضبة عليه بسبب تعديل الدستور، وبسبب فشله في تحقيق الوعود التي أطلقها في حملاته الانتخابية السابقة، كما استطاع كسب تأييد ومشروعية شعبية يمكنه توظيفها في صراعاته ضد بعض مراكز النفوذ المتغلغلة داخل النظام الجزائري؛ هذا بالنسبة للجزائر أما بالنسبة لمصر فالاستغلال السياسي لكرة القدم كان أوضح عما هو عليه في الجزائر لأن ابنا الرئيس حسني مبارك جمال وعلاء أرادا تحقيق طموحات سياسية بأقدام لاعبي مصر، فقضية توريث الحكم يعرفها المصريين أكثر من غيرهم، كما أن التغطية على بعض الفضائح التي تورط فيها بعض المقربين من جمال مبارك كانت وراء التهييج والتصعيد الإعلامي الذي سبق ورافق ولحق المباراة، واعتقد أن كلا النظامين في الجزائر ومصر قد نجحا ولو بنسب متفاوتة في تحقيق مآرب سياسوية على حساب العلاقة بين الشعبين المصري والجزائري.

ومن هنا فحين أعود لسؤالك: من تراه مدانا؟. أجد أن الأنظمة السياسية لها نصيب

من الإدانة، أما النصيب الأوفر من هده الإدانة فهو لوسائل الإعلام في كلا البلدين التي تلاعبت بمشاعر الشعبين وشحنت كل طرف ضد الآخر إلى درجة صار كل

مناصر في مصر وكل مناصر في الجزائر يرى الآخر عدوا بدل أن يراه خصما.


ما هي مصادر أخبارك؟ وهل أنت مُطلع علي الإعلام المصري؟ وما رأيك في جريدة الشروق هذه، ورأيك في الأكاذيب التي روجتها طوال الفترة السابقة من إدعاءات وجود قتلي بالقاهرة إلي آخره؟


أقرأ الجرائد الجزائرية وأتابع القنوات المصرية وكذا ما يكتبه الشباب من كلا البلدين عبر المدونات والفيس بوك؛ بالنسبة للمؤسسات الإعلامية في كلا البلدين التي تناولت الموضوع بكثير من الإسهاب والتشنج. أريد التنبيه للفرق الكبير بين إعلام مصر وإعلام الجزائر، فإعلام مصر مسنود بالعديد من القنوات الفضائية والإذاعات بالإضافة إلى الجرائد، أما في الجزائر فالتليفزيون الرسمي لم يدخل على خط التهييج وكذا الإذاعات التابعة كلها للدولة، وبالتالي فلم يبقى بالجزائر سوى الجرائد الخاصة التي دخلت على خط المواجهة، كرد فعل في البداية ثم كمبادرة بالفعل بعد أن اختلط الحابل بالنابل.

بالنسبة للشق الثاني من سؤالك والمتعلق بجريدة الشروق أرى أن المصريين ذهبوا

ضحية الصورة النمطية التي صوروها عن الإعلام الجزائري، واختصروا كل الصحف الجزائرية بجريدة الشروق التي تعاملت مع الموضوع بخلفيات تجارية غالبا، حيث وظفت تهجم الإعلام المصري على الجزائر ومقدساتها لرفع مبيعاتها من خلال قيامها بالرد على الإعلاميين المصريين واستنهاض حماسة الجزائريين الذين شعروا بالغضب من سب شعبنا وتاريخنا وشهداءنا؛ كرأي شخصي حول جريدة االشروق أرى أنها تلميذة الإعلام المصري التي تفوقت على أساتذتها جميعا، لأن هذه الجريدة وحتى قبل الأحداث الأخيرة، كانت تعتمد في خطاباها الاعلامي على التهييج والتجييش واستنهاض القيم الدينية والوطنية والأخلاقية للجزائريين، وبالتالي فهي لم ولن تكون ( إذا ظلت محافظة على خطها الافتتاحي التهييجي هذا ) جريدة احترافية، كما أنها لا تحظى بمقروئية لدى النخبة الجزائرية عموما نتيجة اعتمادها على الإثارة ومخاطبة المشاعر بدل العقل، فرغم كونها الجريدة الأولى في الجزائر والمغرب العربي من حيث عدد السحب إلا أن تأثيرها في صناعة القرار ضعيف مقارنة بجريدة أخرى أكثر احترافية هي جريدة الخبر.

فالشروق كما قلت هي جريدة تعتمد على التهييج العاطفي للمتلقي من خلال اللعب على الحمية الوطنية والدينية والأخلاقية للقارئ، وهذه المميزات هي ميزات أساسية في الإعلام المصري عموما سواء أثناء الأحداث الأخيرة بين مصر والجزائر أو قبل ذلك.

لهذا قلت في بداية ردي على سؤالك بان الشروق هي تلميذة المدرسة الإعلامية

المصرية، وهي التلميذة التي تفوقت على أساتذتها، فحديث الشروق عن وجود قتلى جزائريين بالقاهرة دون التأكد من مصدر الخبر، فهي فجرت القنبلة ولكن بذكاء حتى لا تصيبها شظايا التفجير حيث كان العنوان الرئيسي هكذا: " جرحى وحديث عن قتلى " فالجريدة لم تؤكد على وجود قتلى بالقاهرة رغم أنها لمحت لذلك ونشرت عبر موقعها على الانثرنث لقاء مع مغني جزائري عاد من القاهرة تحدث كذبا عن قتلى جزائريين، وشهادة مغني الراب رضا سيتي 16 هي المصدر الذي اعتمدت عليه الشروق في قضية الادعاء بوجود قتلى بالقاهرة، وهو نفس الأسلوب الذي لجا إليه الإعلام المصري حين تحدث عن مجزرة بحق المصريين في الخرطوم، فحين اتصل محمد فؤاد وقال كذبا بأنه محاصر ( و الفيديو الذي نشر عبر اليوتوب اثبت انه كان جالسا بين أصدقائه ويقوم بأداء تمثيلية )، فكلام محمد فؤاد وايهاب توفيق كان مصدرا بالنسبة للاعلام المصري للحديث عن مجزرة نفذها الجزائريون بحق المصريين في السودان، وطبعا كلام الفنانيين المصريين كان كذبا مثلما كان كلام المغني الجزائري كذبا أيضا.

بعبارة أخيرة جريدة الشروق الجزائرية وقنوات دريم ونيل سبورت والمحور والحياة ومودرن سبور لهم نفس الأسلوب ونفس القدرة على اللعب بمشاعر المتلقي، كما أن لهم نفس الوقاحة والقدرة على نشر الأكاذيب.


كيف تفسر الاعتداءات علي المصالح والاستثمارات المصرية بالجزائر مثل مكتب مصر للطيران وشركتي اوراسكوم والمقاولون العرب؟ ما تفسير ترويع الآمنين وحصارهم والتهديد بقتلهم؟


طبعا نحن ندين ما تعرض له الأشقاء المصريين في الجزائر رغم تضخيم الإعلام المصري لما حدث، كما ندين أيضا ما تعرض له الطلبة الجزائريون بمصر، فكما قلت لك سابقا الدور السلبي والمدمر الذي قام به الإعلام في كلا البلدين جعل مجانين الكرة في كلا البلدين يرون في الآخر عدوا، وهذا ما جعل الاعتداءات المتبادلة تقع هنا وهناك، بالنسبة لتخريب بعض مقرات مصر للطيران وشركة اوراسكوم، أهم شيء هو عدم وجود أية ضحية مصري في الجزائر فالعمال المصريين الذين فضلوا العودة إلى بلدهم رحلوا بأمان ولم يصابوا حتى بخدوش بسيطة لأن الدولة الجزائرية وفرت الحماية اللازمة لهم لحين خروجهم من الجزائر، أما الخسائر المادية فالقانون سيعطي كل ذي حق حقه.


هل تفهم انه لم يخرج أي صوت رسمي من الجزائر للتعقيب بأي حرف علي الأحداث؟ لا رئاسة؟ لا تحرك دبلوماسي؟ لا بيانات مثقفين أو فنانين أو عامة الشعب؟لا شئ؟ هل هذه الأحداث والمواقف والتصرفات العدائية تستند إلي موقف رسمي من الحكومة والفئات الشعبية؟ ما تعقيبك علي هذا.


بداية لا ادري لما تصف صمت الجزائر عما حدث تصرفا عدائيا، بالعكس هو تصرف حكيم لأنه جنب مصر والجزائر الدخول في مواجهة على المستوى الرسمي، هل كنت تريد أن تقوم الجزائر كما فعلت مصر بسحب سفيرها من القاهرة وتصعيد المواجهة، أم كنت تريد أن يخرج الرئيس الجزائري ويعتذر لمصر لأن قنواتها وجرائدها الرسمية والخاصة سبت الجزائر ووصفتهم بالهمج، ووصفت شهداءنا بالجزم واللقطاء. لقد كان الصمت الرسمي الجزائري حكمة وتهدئة مسبقة مع الطرف المصري، كما أن هذا الصمت الرسمي ما هو في النهاية سوى خدمة جليلة قدمها النظام الجزائري للنظام المصري حين رفض إحراجه أمام الجماهير المصرية الغاضبة، فلو اتخذت الجزائر موقفا حازما من حملات السب والشتم التي طالتها عبر قنوات مصرية رسمية وخاصة وطالبت باعتذار المصريين وتوقيف الحملة، فأرى أن النظام المصري سيجد نفسه مضطرا لمطالبة إعلامه بوقف الحملة على الجزائر في البداية قبل أن تحقق الهدف المرجو منها وهو التنفيس عن حالة الاحتقان والخيبة التي يستشعرها كل مصري نتيجة تصوير هزيمة في كرة القدم على أنها هزيمة لمصر بكل تاريخها. ولو حدث وأمر الرئيس مبارك بوقف حملة السب والشتم في بدايتها فاعتقد جازما أن الشارع المصري كان سينفجر في وجه مشروع التوريث الذي يعده الرئيس مبارك لابنه جمال.

اكرر لك بأن صمت الطرف الجزائري عن كل التهريج الذي حدث كان خدمة مجانية قدمها النظام للجزائر للنظام المصري، خصوصا أن العلاقات الاقتصادية بين مصر والجزائر أهم بالنسبة لمصر من كأس العالم. فصمت الجزائر الرسمية ساهم في اختصار عمر الأزمة بين البلدين والشعبين، والآن في مصر بعد أن استنفدت الحملة الإعلامية ضد الجزائر أغراضها ها هو الإعلام المصري يتجه نحو التهدئة وطي ملف مباراة مصر والجزائر، ولكن أنا كجزائري وبعيدا عن موقف سلطات بلادي أرى أن مصر الرسمية والشعبية أساءت لنا كثيرا لدرجة يصعب على أي جزائري أن ينسى الذين وصفوه بالهمجي واللقيط والإرهابي وكل مفردات قاموس الشتيمة.


هل تعلم بأمر حملات المقاطعة المصرية للجزائر علي جميع الأصعدة؟ لماذا لا يوجد أي محاولة للتهدئة من جانبكم ما لم يكن هذا-عدم التهدئة أقصد- هو الهدف الرسمي من البداية؟


في الجزائر لم يكن هناك تصعيد حتى نتحدث عن التهدئة، الإعلام المصري وبعض المسؤولين المصريين كانوا يحدثون أنفسهم ويعتقدون أن الجزائر هي جريدة الشروق، فالجزائر الرسمية ترى أن ليس هناك ما يستدعي التهدئة لأن العلاقة الرسمية بين البلدين لم تتأثر بشكل يستدعي تهدئة أو تدخل وسيط للتقريب بين الطرفين، والجزائريين يعتقدون جميعا أن حملات المقاطعة المصرية ما هي سوى كلام في كلام، لأنه ليس من مصلحة مصر مقاطعة الجزائر في أي مجال من المجالات، فمصر هي المستفيد من وجود علاقة بين البلدين، مستفيدة من الناحية الاقتصادية لأن العمالة المصرية بالجزائر تخفف من حدة البطالة بمصر من جهة كما تساهم هذه العمالة في توفير العملة الصعبة لمصر من خلال تحويلات العمال وكذا تحويل إرباح الاستثمارات المصرية في الجزائر، ومصر مستفيدة أيضا من الناحية الفنية وأعطي مثال الفن هنا لأن الفانين المصريين تحدثوا كثيرا عن المقاطعة، فالجزائر هي سوق للمنتجات الفنية المصرية ( أفلام، مسلسلات، أغاني ) والفن الجزائري لا مكان له في مصر وبالتالي فلن نخسر شيئا، وكما قلت لك بأن الجزائريين مقتنعين بأن كلام المصريين عن المقاطعة ما هو سوى فورة غضب وحماسة وطنية، وأعطيك مثال عن عدم جدية المصريين في المقاطعة بالفنانين احمد السقا ويسرا والهام شاهين الذين أعلنوا تنازلهم عن الجوائز التي نالوها في مهرجان الفيلم العربي بوهران، كلهم أعلنوا أمام كامرات التليفزيون تنازلهم عن جوائزهم، ولكن في الواقع ولا واحد منهم بادر بإرجاع الجائزة وقيمتها المالية للجهة المانحة، وهذا مثال عن مدى جدية دعوات المقاطعة التي ينادي بها الأشقاء المصريين.


هل تحب أن توجه رسالة ما للمصريين؟


أقول لكل الذين سبوا شهداء الجزائر ووصفوهم باللقطاء والجزم، نحن نحمد الله أن مصر ليست مدحت شلبي وعمرو اديب ومحمد فؤاد، وأن مصر هي فاروق جويدة وحسنين هيكل وابوتريكة والكثير من المثقفين ومن أفراد الشعب المصري الذين عبروا عن روح مصر الطيبة والمدركة لحقائق الأمور ولم ينساقوا وراء التضليل.

نحن في الجزائر نحب مصر وسنبقى نحبها رغم كل شيء حتى ونحن نحس بجرح من بعض المصريين يصعب نسيانه أو تجاوزه، الآن على الأقل.