الجمعة، 24 فبراير 2017

كم كتاباً يقرأ مثقفاً مصرياً سنوياً؟ ومتي؟

كم كتاباً يقرأ مثقفاً مصرياً سنوياً؟ ومتي؟
أحمد مجدي شوقي-
تقول الدراسات الإحصائية القديمة ان الأوروبي كان يقرأ بمعدل ٣٥ كتاباً في العام، وان الإسرائيلي كان يقرأ بمعدل ٤٠ كتاباً في العام، وان ٨٠ عربياً كانوا يقرأون كتاباً واحداً في العام.
والآن، وسط تراجع معدلات القراءة العالمية، تفاجئنا إحصائية حديثة نقلتها باريس ريفيو بالمكانة المتقدمة التي أحتلتها مصر في جدول معدل ساعات القراءة الأسبوعية. المشكلة ان مثل هذه الإحصاءات تأخذ في اعتبارها قراءات الصحف والقرآن الكريم، لهذا فهي تعطي صورة زائفة بالعنوان عن حال القراءة الثقافية وحال سوق النشر في عصر ما بعد السرعة.
في هذه الرسالة، أعرض تحليلاً لقراءات ثاقفاً مصرياً شاباً يعمل بدوام كامل في الأستشارات الخاصة في مجال علمي بحت لا يتصل بالفنون والآداب إلا قليلاً. تأتي الوظيفة بساعات نهارية تسع (٨ ـ ٥)، وبيومين إجازة للراحة الأسبوعية (الجمعة والسبت)، بالإضافة إلي واحد وعشرون يوماً رصيداً للإجازات الطبيعية، وسبعة للظروف العارضة أي ما يعادل مجموعة شهراً من الإجازات السنوية بدون حساب نهايات الأسابيع.
يستقل الثاقف الشاب باصاً خاصاً للعمل. تستغرق رحلتي الذهاب والعودة ما يقارب الساعتين والنصف يومياً، تنقسم إلي أربعين دقيقة صباحاً قد تصلح للقراءة بحسب الظروف، وما يقل قليلاً عن الساعتين في رحلة العودة المرهقة بزحام الطريق وتعب يوم العمل.
اما فيما يخص ليالي أيام العمل فيحتاج ثاقفنا الشاب ما يقرب الساعة للنظافة من غبار القاهرة وإعادة التهيئة، وتناول وجبة من الطعام، يتبعها كوباً من الشراب القوي وذلك مع القليل مما يتيسر الحصول عليه من برامجنا الحديثة الفضائية أو الأفلام أو المباريات الرياضية.
بعد الفراغ من هذا كله يتبقي أمام ثاقفنا الشاب حوالي ساعات أربع قبل الساعات الضرورية للنوم المؤهلة ليوم جديد من العمل والكفاح في حياتنا القاهرية الحديثة.
والغرض من هذا كله هو حصر الدقائق والساعات المتاحة للقراءة في اليوم العادي للثاقف الشاب العامل في النظام الأقتصادي المعاصر، وهي كما اتفقنا ورأينا؛ ما يقارب الأربعين دقيقة صباحاً، والأربع ساعات ليلاً، بالإضافة إلي يومين إجازة في الأسبوع. اضف او اخصم من هذا كله النسبة التي تناسبك والتي تمثل واجبات الحياة الضرورية، ورؤية الأصدقاء والذهاب للتمتع بفيلم في السينما أو سماع الأوركسترا يوم السبت، إلي اخر الروتينات والعادات التي يتبعها الناس في حياتهم.
في العام السابق، عام (٢٠١٦) قرأ ثاقفاً شاباً اثنان وثلاثون كتاباً قراءة كاملة، دون احتساب القراءات غير المكتملة او التصفح من اجل المعرفة أو المتعة. اثنان وثلاثون كتاباً بمعدل كتابين ونصف تقريباً في الشهر، أو نصف كتاب في الأسبوع.
تنقسم القائمة إلي ثمانية عشر كتاباً أدبياً، وأربعة عشر كتاباً غير أدبي. تنقسم الكتب الأدبية إلي سبعة مسرحيات، سبعة روايات، مجموعة شعرية واحدة، وثلاثة مجموعات للقصص القصيرة.
بينما تنقسم قائمة الكتب غير الأدبية إلي ثلاثة كتب في النقد الأدبي، وكتابين اثنين في النقد الثقافي، وكتابين اخرين للسيرة الذاتية، وخمسة كتب لعروض الكتب والرسائل والشخصيات، وكتاباً واحداً للرحلات وكتاباً واحداً للمقالات.
تميل قراءات الثاقف محور الرسالة إلي هويته الشرقية الأوسطية بخمسة عشر كتاباً تتصل بالآداب والموضوعات الشرقية، وتتزن بثمانية كتب أخري غربية الموضوع، وترتكز بتسعة كتب تتناول العلاقة بين الشرق والغرب تختلط موضوعاتها بين الثقافتين.
ما مدي عصرية ثقافة قارئنا المعاصر؟ إن تسعة كتب فقط من مجموع اثنين وثلاثين كتاباً قد كتبها مؤلفون علي قيد الحياة في (٢٠١٦) يصغرهم كاتباً مصرياً هو (أمير زكي) ومجموعته القصصية (خط انتحار)، ومعه مصرياً أخر هو (يوسف رخا) وروايته (باولو) التي ترشحت للبوكر في يناير ٢٠١٧، ويتصدرهم المعاصرون الحاضرون التقليديون مثل (جون ابدايك) و(أورهان باموك) و(ألبرتو مانجويل).  
بينما بقية الكتب الأخري تعود تواريخ إصداراتها الأولي إلي مقدمات القرن العشرين. أسماء كبيرة وراسخة مثل (طه حسين) و (توفيق الحكيم) و(العقاد) و(يحيي حقي) و(سلامة موسي)، ولاحقة تالية مثل (يوسف إدريس) و(محمود درويش) و(جمال  الغيطاني) و(رضوي عاشور) و(هارولد بنتر) و(توماس مان).
أو بعيدة غائرة (وحاضرة) مثل (شكسبير).
إن هذا النمط من القراءات قد جاء بدون تخطيط مسبق أو مقصود، وهو ما يساعد علي تقديم قراءة لتشكيل العقل العصري، الذي أشار إلي احتياج هذا العقل إلي (ترسيخ) مع اشتياقه الطبيعي إلي المعاصرة والتعلق بالحديث والأرتباط المتفاعل بالعالم.